السلام عليكم ورحمة الله
أخى الحبيب / أنت قلت :
إن أهل التوراة لم يكملوا بما كان واجبا عليهم بأن يؤمنوا بالمسيح ومن بعده يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحكمون كتاب الله كما أمرهم الله حال خلافتهم في الأرض بالاحتكام للتوراة لكن هذا لا ينفي أن التوراة تأمر بمكارم الأخلاق وتحث عليها رغم إيماننا بتحريفها .
وقلت بعدها :
وكذلك فأهل الإنجيل لم يكملوا بما كان واجبا عليهم أن يفعلوا باتباع الإسلام لكنهم أيضا ضلوا في العقيدة الحقة وابتعدوا عنها ولكن هذا لا ينفي أيضا أن الإنجيل به من مكارم الأخلاق والحث عليها .
أقول : وهم لم يفعلوا ذلك بدليل أن الله تعالى قال فى حقهم :
" لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ " .
وقال تعالى : " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا " .
وقال تعالى : " وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ " .
هذه واحدة فكيف نقول أنه لا يجب علينا أن نخرجهم من ديار المسلمين أو أن أضيق عليهم أو ما شابه ذلك والآيات التى سأوردها ستوضح الأمر . ولكن إذا كان الأمر كذلك فلا يعيشون فى بلاد المسلمين حتى يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
كم ذكر لنا المولى سبحانه وتعالى ذلك فى قوله : " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) " .
وهذا هو الحديث العمدة فى القضية إليك :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " .
مسلم في صحيحه ج4/ص1707 ح2167
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِتَذْلِيلِهِمْ وَكَذَلِكَ إِذَا لَقِيَ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَتْرُكْ الطَّرِيقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ .
قال القرطبي في "المفهم" 3/179أ: إنما نُهي عن ذلك لأن الابتداء بالسلام إكرامٌ، والكافر ليس أهلاً لذلك، فالذي يُناسبهم الإعراضُ عنهم وتركُ الالتفات إليهم. وقوله: "وإذا لقيتُم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" أي: لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيِّق إكراماً لهم واحتراماً، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف .
أقول وأنا معك أقول أن أصل التوارة التى أنزلت على موسى عليه السلام تحث على مكارم الأخلاق وأن أصل الإنجيل الذى أنزل على عيسى عليه السلام يحث أيضاً على ذلك ولكن تعالى ننظر فى أصل المسألة بعيداً عن دعوتهم للإسلام من عدمه .
فإن قضية الولاء والبراء تحتم علينا أن نضعهم فى موضعهم الذى أراده الله تعالى منا وأراده المعصوم صلى الله عليه وسلم .
أولاً قول الله تعالى : " لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ "
ثانياً قوله تعالى : " الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا "
وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا "
وقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
وقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " .
وقوله تعالى : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " .
وهذه الخاتمة أود أن أختتم بها هذا التوضيح لأن الأدلة فيه كثيرة لا تحصى :
وَعَنْ أبي عَطَاءٍ ، قَالَ : قَالَ لِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا أَبَا عَطَاءٍ ، كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا فَرَّتْ مِنْكُمْ عُلَمَاؤُكُمْ وَقُرَّاؤُكُمْ وَكَانُوا فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ مَعَ الْوُحُوشِ ؟ قُلْتُ : وَلِمَ ذَاكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : خَشْيَةَ أَنْ تَقْتُلُوهُمْ قَالَ : قُلْتُ : نَقْتُلُهُمْ وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ؟ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا أَبَا عَطَاءٍ ، أَوْلَمْ يُؤْتَ التَّوْرَاةَ الْيَهُودُ فَتَرَكُوهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ؟ أَوَلَمْ يُؤْتَ النَّصَارَى الإِِنْجِيلَ فَتَرَكُوه وَضَلُّوا عَنْه , وَإِنَّمَا هِيَ فِتَنٌ تُتْبِعُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا ........... "
رَوَاهُ مُسَدَّدٌ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
[ت] حديث جاءت خيل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذوا عمتي وناسا قال فلما أتوا بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث بطوله . وفيه إن المغضوب عليهم اليهود وإن الضالين النصارى وفيه غير ذلك (4 : 378 - 379) حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة سمعت سماك بن حرب سمعت عباد بن حبيش عنه به .
[تحفة 7 : 280 حديث 9870]
فأنا أعلم أنك تتفق معى فى كل ما سيق من أدلة وربما قلت بأنك تعرض الأمر من زاوية ثانية وهى أنهم عندهم من الفضائل ما عند المسلمين .
أقول لك هذا يحتاج إلى إعادة نظر على حسب فهمى بما أوردته من آيات وأحاديث
وأظننى رددت على وثيقة التعايش التى ذكرت يآية الجزية وهذا شرط من الله عز وجل .
وأما عن قتال المسالم فنحن بالفعل أمرنا عن النهى عن قتاله ولكن إذا ما رأيت حرمات المسلمين تنتهك فى مشارق الأرض ومغاربها يصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم بعينه
فإن فرض علىّ أن لا أقتل مسالماً من أهل الذمة فهذا لا ينفى أبداً أن آمن مكره وغدره إن تمكن منى وضعف حالى أمامه وأمن المكر هنا هو عدم المولاه له تحت أى مسمى كما ذكرنا من قبل .
وأتمنى من الله العلى القدير أن أكون قد بلغت أنا إلى المفهوم الذى أردته أنت من وراء هذه الرسالة .