شرح الحديث الـ 187 وقت السحور
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟ قال : قدرُ خمسين آية .
فيه مسائل :
1 = في هذا الحديث رواية صحابي عن صحابي
وهنا صرّح أنس – رضي الله عنه – بأنه يروي عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – ولو لم يُصرّح فإن جهالة الصحابي لا تضرّ .
2 = قدر خمسين آية . هذا تقدير ، والتقدير لا يكون دقيقاً بل هو نسبي وتقريبي .
تدلّ عليه رواية للبخاري : عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة . قال أنس : قلت : كم بينهما ؟ قال : قدر خمسين أو ستين يعني آية .
3 = الوقت هل هو ما بين الأذان والإقامة أو ما بين الأذان والسحور ؟
الذي يظهر من الجمع بين الروايات أنه بين الأذان والسحور .
ففي رواية للبخاري : عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحّرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فصلى . قال قتادة : قلنا لأنس : كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقـرأ الرجل خمسين آية .
ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . قال : ولم يكن بينهما إلا أن ينـزل هذا ويَرقى هـذا . متفق عليه .
وفي رواية : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، ثم قال : وكان رجلا أعمى لا يُنادي حتى يُقال له : أصبحت أصبحت .
ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه . رواه أحمد وأبو داود .
ويُحمل الأذان الوارد في حديث الباب في قوله : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟
على الإقامة ؛ لأن الإقامة يُطلق عليها أذان ، كما في قوله – عليه الصلاة والسلام – : بين كل أذانين صلاة . متفق عليه .
والمقصود بين الأذان والإقامة .
3 = قدر خمسين آية . متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ، والقراءة لا سريعة ولا بطيئة .
والمسألة تقدير ، والتقدير أمر نسبي كما تقدّم .
قال ابن حجر : قال المهلب وغيره : فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن ، وكانت العرب تُقدر الأوقات بالأعمال ؛ كقولهم : قدر حلب شاة ، وقدر نحر جزور . فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة .
4 = قوله : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة .
قوله في الأول : تسحرنا
وفي الثاني : ثم قام
فالأول بلفظ الجمع ، والثاني بلفظ الإفراد ؛ فهم داخلون فيه بطريق الأولى وبالتبعيّة ؛ لأنه لا يُتصوّر أن يتخلّفوا عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5 = فيه جواز مؤانسة الفاضل للمفضول بالمؤاكلة .
6 = أفضلية تأخير السُّحـور ، خلافاً لمن يتسحّر ثم ينام .
7 = استحباب الاجتماع على السَّحور .
8 = فيه حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على العِلم ، فهذا أنس – رضي الله عنه – يسأل زيد بن ثابت عن هذه السنة التي خَفيت عليه .
9 = مقدار الوقت بين أذان الفجر والإقامة .