أبو العتاهية
هو إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء. أبو إسحاق، الشهير بأبي العتاهية، وكان الخليفة المهدي لقبه بذلك، فقد تعته (أي ولع) بحب جارية للمهدي تدعى (عتبة) ، وعرض عليها المهدي أن يزوجها له فأبت، فلقبه المهدي بأبي العتاهية. ويقال إن هذا الرفض كان سبب ترك أبي العتاهية للمديح والغزل وانتقاله إلى القول في الزهد. نشأ أبو العتاهية بالكوفة على صناعة أهله وكانوا يصنعون الجرار. وكان مولده بعين التمر، فنسب إليها فكان يقال له (العيني) . ولع بالقريض ونزع إلى الأدب وأخذ يقول الشعر على سجيته، فأصبح الشعر فيه سجية. قدم إلى بغداد في أول خلافة المهدي ومدحه فحظي عنده، وقربه الرشيد، وكثيرا ما كان يعظه فيبكيه، ولازمه فكان لا يفارقه. كان شاعرا مكثرا، يقول الشعر على سجيته من غير أن يجهد نفسه فيه، لأنه كان يرغب في نظم شعر يفهمه الناس، وكان أهم ما يحفل به المعاني. نزع في أول أمره إلى الغزل ثم أخذ في الزهد والتخشن، فأضرب عن الغزل واقتصر على الزهد والتزهيد في الدنيا والتذكير بالموت، وتناجى بشعره الزهاد وعني العلماء والرواة بجمع أشعاره، ولم تزل تلك حاله مدة الرشيد والأمين وأكثر أيام المأمون حتى وافاه الأجل عن 81 عاما. اتهم في أول أمره بالزندقة لقوله يتغزل بالجارية التي أحبها، وفيها يقول:
إن المليـــــك رآك أحســــن خلقــــــه ورأى جمـــــالك
فحــــذا بقــــدرة نفســــه حــور الجنــان عــلى مثــالك
ولما بلغه قول الناس فيه قال: والله ما ديني إلا التوحيد وقال:
ألا إننـــــا كلنــــا بــــائد وأي بنــــــي آدم خــــــالد
وبـــدؤهم كـــان مــن ربهــم وكـــل إلـــى ربـــه عــائد
فيــا عجبــا كـيف يعصـي الإلـه أم كـــيف يجحـــده الجـــاحد
وفــي كــل شــيء لــه آيــة تـــدل عـــلى أنـــه واحــد
ومن قوله في الزهد:
إذا المـرء لـم يعتـق مـن المال نفسه تملكــه المــال الـذي هـو مالكـه
ألا إنمــا مــالي الـذي أنـا منفـق وليس لـي المـال الـذي أنـا تاركـه
إذا كـنت ذا مـال فبـادر بـه الـذي يحـــق وإلا اســتهلكته مهالكــه
ومن قوله في الزهد أيضا:
يــا عجبــا للنــاس لـو فكـروا وحاســـبوا أنفســـهم أبصــروا
وعــبروا الدنيــا إلــى غيرهــا فإنمـــا الدنيـــا لهــم معــبر
والموعــد المــوت ومــا بعــده الحشــر فــذاك الموعــد الأكـبر
لا فخــر إلا فخــر أهــل التقـى غـــدا إذا ضمهـــم المحشـــر
ليعلمـــن النـــاس أن التقـــى والــبر كانــا خــير مـا يدخـر
عجــبت للإنســان فــي فخــره وهــو غــدا فــي قــبره يقـبر
مــا بــال مــن أولــه نطفــة وجيفــــة آخــــره يفخـــر
أصبـــح لا يملــك تقــديم مــا يرجــو ولا تــأخير مــا يحــذر
وأصبـــح الأمــر إلــى غــيره فــي كـل مـا يقضـي ومـا يقـدر
من قوله في النسيب وهو يتغزل بمحبوبته (عتبة) التي رفضته:
عينـــي عــلى عتبــة منهلــة بدمعهـــا المنســـكب الســـائل
كأنهــــا مـــن حســـنها درة أخرجهــا اليــم إلــى الســاحل
كــأن فــي فيهــا وفـي طرفهـا ســـواحر أقبلــن مــن بــابل
بســطت كــفي نحــوكم ســائلا مــاذا تــردون عــلى الســائل?
إن لـــم تنيلـــوه فقولــوا لــه قـــولا جــميلا بــدل النــائل
لــم يبــق مــن حبهـا مـا خـلا حشاشـــة فـــي بــدن نــاحل
يــا مــن رأى قبـلي قتيـلا بكـى مــن شــدة الوجـد, عـلى القـاتل