الأسد الباسل ألب أرسلان:
من الظلم ألا يذكر هذا القائد العظيم في هذه السلسلة ....وخصوصا أن الكثير منا يسمع اسمه للمرة الأولى ..ولذلك أحببت أن أنصف هذا الرجل ولو فقط بذكر بعض ملامح حياته وبطولاته رحمه الله.(
هو اسد الاسلام وقائد المسلمين فى عصره بطل دولة السلاجقة الاسد الباسل عضد الدولة ((أبو شجاع ألب أرسلان محمد بن جفري بك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق))
كانت سوابق ألب أرسلان تزكِّي اختياره للحكم؛ فهو قائد ماهر، وفارس شجاع، نشأ في خراسان، حيث كان والده "جغري" حاكمًا عليها، وأُسندت إليه قيادة الجيوش في سن مبكرة، فأظهر شجاعة نادرة في كل المعارك التي خاض غمارها، وبعد وفاة أبيه تولى هو إمارة خراسان خلفًا له.
كان رابع حكام السلاجقة ، ويعني اسم ألب أرسلان الأسد الباسل وهو الاسم الذي اكتسبه من مهاراته في القتال وانتصاراته العسكرية. بعد وفاة طغرل بك المؤسس الحقيقي لدولة السلاجقة سنة 455 هـ/1063 م تولى ألب أرسلان ابن أخيه حكم السلاجقة، وكان قبل أن يتولى السلطنة يحكم خراسان وما وراء النهر بعد وفاة أبيه عام 1059 م، وكان يعاونه دوما وزيره أبو علي حسن بن علي بن إسحاق الطوسي، المشهور بنظام الملك. استطاع في عهده أن يفتح أجزاء كبيرة من آسيا الصغرى وأرمينيا وجورجيا
.الولاية:
لقد ورث السلطان ألب أرسلان إمبراطورية عظيمة واسعة الأرجاء تمتد من سهول التركستان إلى ضفاف دجلة، بها الكثير من المدن الكبار والأقاليم الواسعة والشعوب المتباينة، لذلك فلقد كانت مسألة قيادة هذه الإمبراطورية في غاية الصعوبة وتحتاج لاستراتيجية حكيمة وقيادة قديرة، وهذا ما اتبعه الأسد الباسل
لم يكد ألب أرسلان يستلم منصب السلطان حتى دبت خلافات طارئة داخل البيت السلجوقى، حيث ثار عليه بعض أقربائه منهم أخوه سليمان وعمه 'قتلمش' واضطر ألب أرسلان مكرها أن يقاتل الخارجين عليه، وقد نصره الله عز وجل على خصومه على الرغم ما إن عمه قتلمش قد حاربه بتسعين ألفاً، في حين ألب أرسلان كان في اثني عشر ألفاً فقط، ولما علم ألب أرسلان نبأ مقتل عمه في المعركة بكى بشدة وتأسف على نهايته .
بعد ذلك انشغل ألب أرسلان في القضاء على بعض الثورات الداخلية التي قام بها بعض حكام الأقاليم فلقد ثار حاكم إقليم 'كرمان' و غيره، وعانى أيضاً ألب أرسلان من غارات القبائل التركمانية التي لا تنضوي تحت راية أحد وتعيش على السلب والنهب.
وبعد سنوات من العمل الجاد نجح ألب أرسلان في المحافظة على ممتلكات دولته، وتوسيع حدودها، ودانت له الأقاليم بالطاعة والولاء، وأُخمِدَت الفتنة والثورات، وتصاعد نفوذه، وقويت شكوته، حتى أصبحت دولته أكبر قوة في العالم الإسلامي في سنة (463هـ = 1070م) مما شجَّعه على التفكير في تأمين حدود دولته من غارات الروم.
فتح بلاد الروم
اطمأن ألب أرسلان إلى جبهته الداخلية المستقرة؛ فبدأ يتطلع إلى ضم المناطق النصرانية المجاورة له؛ بهدف نشر الإسلام فيها؛ فأعد جيشًا بلغ أربعين ألف جندي لهذا الغرض، وتمكن به من فتح بلاد الأرمن، وجورجيا، والأجزاء المطلة على بلاد الروم، وكان لهذه الانتصارات أثرها؛ فتحرك قيصر الروم الذي أدرك أن بلاده معرضة للهجوم من ألب أرسلان، وأن القتال معه وشيك لا محالة؛ فخرج على رأس جيش كبير لمواجهة غزو السلاجقة لممتلكاته، وذلك في سنة (463هـ = 1070)؛ لتطويق الجيش السلجوقي، واستولى على حلب، وكان حاكمها يتبع الخليفة الفاطمي في مصر.
فطن ألب أرسلان إلى محاولات القيصر؛ فبعث ابنه"ملكشاه" على رأس قوة من جيشه؛ لاسترداد حلب من الروم، وتأمين الحدود الشمالية لبلاد الشام؛ فنجح في مهمته، واستولى على حلب، وأصبحت تابعة للسلاجقة، وضم القدس أيضًا، وأجزاء من بلاد الشام.
موقعة ملاذ كرد
موقعة عظيمة فاصلة في تاريخ الإسلام.... معركة نسيت مع الزمان كما نسيت أمجاد أجدادنا الذين ضحوا بدمائهم الزكية فداء لدينهم
...لم يجد قيصر الروم بدًا من الهجوم على جيش ألب أرسلان بعد أن فشلت خطته في تطويق الجيش الإسلامي؛ فخرج بجيوشه الجرارة التي ضمت أخلاطًا من الروس والبلغاريين واليونانيين والفرنسيين إلى المنطقة التي يعسكر فيها جيش السلاجقة في "ملاذ كرد"، وكان جيش ألب أرسلان صغيرًا إذا ما قُورِنَ بجيش القيصر، الذي يبلغ عدده مائتي ألف جندي، ويفوقه أسلحة وعتادًا.
أسرع ألب أرسلان بقواته الصغيرة، واصطدم بمقدمة الجيش الرومي الهائل، ونجح في تحقيق نصر خاطف، يحقق له التفاوض العادل مع القيصر؛ لأنه كان يدرك أن قواته الصغيرة لا قِبَل لها بمواجهة هذا الجيش العظيم، غير أن القيصر رفض دعوة ألب أرسلان إلى الصلح والهدنة، وأساء استقبال مبعوثه؛ فأيقن ألب أرسلان ألاَّ مفرَّ له من القتال، بعد أن فشلت الجهود السلمية في دفع الحرب؛ فعمد إلى جنوده يشعل في نفوسهم رُوح الجهاد، وحب الاستشهاد، والصبر عند اللقاء،
كان ألب أرسلان مؤمناً صادقاً غيوراً يعلم أن الله عز وجل سوف ينصره لأنه على الحق وعدوه على الباطل،وكان من عادة هذا السلطان الصالح أن يصطحب معه في غزواته وحملاته الجهادية العديد من العلماء والفقهاء والزهاد كقيادة روحية ومرجعية دينية
وكان معه في هذه المرة الفقيه الكبير [أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري] الذي قال لألب أرسلان هذه العبارة الرائعة [إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال في الساعة التي يكون الخطباء فيها على المنابر فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر] .
وحين دنت ساعة اللقاء صلَّى بهم الإمام أبو نصر البخاري، وبكى السلطان؛ فبكى الناس لبكائه، ودعا، ودعوا معه، ولبس البياض وتحنَّط وقال: "إن قُتِلت فهذا كفني"، والتقى الفريقان، وحمل المسلمون على أعدائهم حملة صادقة، وأبلوا بلاءً حسنًا، وهجموا عليهم في جرأة وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلاً وتجريحًا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى انكشف غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال، ووقع قيصر الروم "رومانوس ديوجينس" أسيرًا في أيديهم، وحلَّت الهزيمة بهذا الجيش الجبَّار في (ذي القعدة 463هـ = أغسطس 1071م
بين الأسد وفريسته:-.
في صباح اليوم التالي للمعركة أخذ القيصر الإمبراطور 'رومانوس' الأسير، وكان أول قيصر يقع في أسر المسلمين، إلى معسكر ألب أرسلان أو عرين الأسد، ووقف الفريسة بين يدي الأسد، ومن الطبيعي جداً بل لا أكون متجاوزاً إذا قلت أنه يجب على الأسد ألا يترك فريسته تفلت منه دون عقاب ولابد أن يبطش بها بما يليق بجرم هذه الفريسة التي سول لها شيطانها أن تنتهك حرمة الأسد، ولكن الأسد الذي جمع بين الشجاعة والبسالة والإيمان واليقين أضاف إلى كل هذه الخصال العظيمة فضيلة العفو والصفح عند المقدرة .
فبعد أن أنب ألب أرسلان رومانوس على جرائمه وضربه بيده ثلاث مقارع ووضع قدمه على هامة 'رومانوس' تحقيراً وإذلالاً له وجعله يقبل الأرض باتجاه بغداد حيث الخليفة العباسي لإظهار عز الإسلام وأهله ، قام بالعفو عن رومانوس نظير دفع فدية كبيرة وفك أسر كل الأسرى المسلمين في سائر بلاد الروم وإلزامه بالقسم بأغلظ الأيمان على عدم العودة مرة أخرى لقتال المسلمين .
فاين العرب وجيوشها
اين العرب و سلاحها
اين العرب و رجالها
اين العرب والمسلمون
جيش الروم والذي كان يتعدى مئتين الف جندى
و جيش القائد الب ارسلان الذى لا يتجاوز الاربعين الف جندى
.........
هل قوتنا بالنسبة لقوة اعدائنا
اقل من قوة الب ارسلان بالنسبة لاعدائه ؟
لا لا لا اظن
و لكن القائد السلطان الب ارسلان
كان رجلا تقيا و استعان ببطانة طيبة تقية
و أكبر دليل على هذا انه علم ابنه الأخلاق
فكان تقيا و استكمل مسيرة ابيه
وأصبح من بعده سلطان عادل يتحرى العدل.
ما بعد ملاذ كرد
افتدى الروم قيصرهم بفدية كبيرة قدرها مليون ونصف المليون من الدنانير، وعقدوا صلحًا مع السلاجقة مدته خمسون عامًا، وتعهدوا بدفع جزية سنوية طوال هذه المدة، واعترفوا بسيطرة السلاجقة على المناطق التي فتحوها من بلاد الروم، وتعهدوا بعدم الاعتداء على ممتلكات دولة السلاجقة.
وكان من نتائج هذا النصر العظيم أن تغيرت صورة الحياة والحضارة في هذه المنطقة؛ فاصطبغت بالصبغة الإسلامية بعد أن أشرقت عليها شمس الإسلام، ودخل سكانها في الإسلام، وتعلموا مبادئه وشرائعه.
الوزير نظام الملك
وما كان للسلطان ألب أرسلان أن يحقق كل هذه الإنجازات بدون جهود وزيره العظيم نظام الملك، الذي لم يكن وزيرًا لامعًا وسياسيًّا ماهرًا فحسب؛ بل كان داعيًا للعلم والأدب محبًّا لهما، أنشأ المدارس المعروفة باسمه "المدارس النظامية"، وأجرى لها الرواتب، وجذب إليها كبار الفقهاء والمحدثين، وفي مقدمتهم حجة الإسلام "أبو حامد الغزالي".
ملامح شخصيته:
إن للبقاء أسباباً وللاستمرار عوامل ومعطيات من تناولها وعمل بها تم له البقاء والصمود حتى حين، وهذا ما أدركه السلطان ألب أرسلان جيداً،
فسار في رعيته سيرة حسنة صالحة ضمنت له رضا الناس عنه، فقد كان ألب أرسلان كريماً، رحيماً، شفوقاً على الرعية، رفيقاً على الفقراء باراً بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام النعم عليه، كثير الصدقات، لم يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، فلا يأخذ من أموال الرعية إلا ما حل للدولة من خراج وزكاة، له سياسة عظيمة مع ولاته وعماله، فلقد كتب إليه بعض الوشاة في وزيره 'نظام الملك' فاستدعاه ثم قال له {خذ إن كان هذا صحيحاً، فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك وإن كذبوا فاغفر لهم زلتهم}،
قصص من حياته:
من اروع قصصه انه لقى بائع و هو فى رحلة صيد يبكى
فقال له لما تبكى فقال اخذ ثلاثة غلمان البطيخ الذى أبيعه
فقال له اذهب الى المعسكر و انتظرنى حتى أعود
فلما عاد نادى الساقى و قال له السلطان إنى اشتهى البطيخ
فابحث عند الجند ربما تجد بطيخ لى
ففعل الساقى و أتى له بالبطيخ
فقال له السلطان من أين هذا البطيخ
قال الساقى من خيمة الحاجب
فامر بالحاجب و سأله عن مصدره
فقال له أتى به غلمان ثلاثة
فقال السلطان له أريدهم الساعة
فهرب الغلمان عندما أحسوا الشر من السلطان
فأتى الحاجب الى السلطان و قال له قد فروا
فأمر السلطان بأن يصبح الحاجب عبداً لدى البائع
جزاء لما فعل
فاشترى الحاجب نفسه من البائع بثلاثمائة درهم
و قال له أرضيت
قال البائع نعم
فقال له الحاجب امضى راشدا
ارأيتم..... هذا هو العدل
-كما كان ألب أرسلان شديد الحرص على حفظ مال الرعية فلقد بلغه يوماُ أن أحد مماليكه قد أخذ إزاراً لأحد الناس ظلماً، فأمر بصلبه حتى يرتدع باقي المماليك عن الظلم، وهكذا نرى هذا القائد الحكيم قد أدرك بفطرته القيادية أسباب البقاء فسار على طريقها واتبعها خير إتباع .
وقد ارتفع شأن ألب أرسلان بعد انتصاره الباهر، وصار مرهوب الجانب في الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، وحقق شهرة واسعة هو ووزيره نظام الملك الذي أسهم في وضع سياسة السلاجقة، وأشرف على تنفيذها،
مصرع الأسد:
إن المرء ليعجب حقاً من خواتيم أبطال الإسلام وعظمائهم الذين خاضوا غمار الكثير من المعارك وطلبوا الموت من كل مظانه وتعرضوا له في جميع مواطنه ووقفوا له في كل سبيل طلباً للشهادة، ثم يأتيهم حمام الموت غدراً بيد عميل أو خائن أو طامع أو حاسد أو مأجور وهذا ما حدث للأسد الباسل وهو في ريعان شبابه '41 سنة' وهو في قمة ظفره وتمكنه وعلو شأنه حتى حاز بحق لقب سلطان العالم وسلطان الدنيا والدين .
وذلك عندما قام أحد الخارجين عليه واسمه 'يوسف الخوارزمي' بطعنه بالسكين والسلطان يعاتبه على جرائم ارتكبها هذا المجرم الخارجي، لتنتهي هكذا في لحظة حياة هذا الأسد بطعنة غادر مجرم، ليهلل لموته كل أعداء الإسلام شرقاً وغرباً وتلتقط الدولة الفاطمية أنفاسها ويهدأ روعها بعدما أوشكت على السقوط والتهاوي تحت ضربات الأسد ولقد قتل الأسد ألب أرسلان في 10 ربيع الأول سنة 465 هجرية، وبمصرعه ظهرت الأطماع والشرور ورفع أعداء الإسلام رؤوسهم، وكما قال الحكيم [إنما ضغت الثعالب عندما غاب الأسد] .
فرحم الله السلطان المجاهد ألب أرسلان
حمل كتاب سيرة السلطان الباسل / ألب ارسلان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]