الامام ابى حنيفه سيره عطره وحياه زاهد

الإمام أبوحنيفة النعمان سيرة عطرة وحياة زاهد.:-

التعريف بالإمام:
هو النعمان بن ثابت و كنيته أبو حنيفة و لقب بالإمام الأعظم ولد بالكوفة سنة 80 هـ فى عهد الخليفة عبد الملك بن مروان
وأبوه (ثابت) كان تاجرًا غنيًّا أسلم فحسن إسلامه، قيل: إنه التقى بالإمام
على بن أبي طالب -رضي الله عنه- فدعا له الإمام ولذريته بالخير
والبركة، واستجاب الله الدعاء، ورزق الله ثابتًا بطفل أسماه النعمان وكناه
(أبا حنيفة النعمان بن ثابت)

نشأته:
في سن الصبا حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم و أخذ قراءته للقرآن عن عاصم أحد القراء السبعة.
و كان حسن الوجه ، حسن النطق ، قوى الحجة ، شديد الذكاء ، فطنا سريع البديهة شديد الكرم ، طويل الصمت ، دائم الفكر ، زاهدا متعبدا ، جهورى الصوت



و هو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة و قد إشتهر بإمام أهل الرأى ، و كان أبو حنيفة يعمل بالتجارة بصدق و أمانة و إستمر فى ذلك أكثر حياته فإكتسب خبرة فى العرف و العادات و المعاملات و طرق الناس فى البيع و الشراء.
في سن الصبا و إلي سن الثانية و العشرين من عمره كان أبو حنيفة النعمان يشتغل بتجارة الحرير مثل أبيه … و بجانب ذلك كان يحضر حلقات العلم في المسجد في بعض الأحيان النادرة مثل عامة المسلمين إلي أن كانت نقطة التحول في حياته حينما استوقفه يوما الفقيه (إبراهيم الشعبي ) و قد رأي فيه ذكاء و لمح وراء ذكاءه عقلا علميا و قد نصحه الفقيه بقوله (لا تغفل و عليك بالنظر في العلم و مُجالسة العلماء فاني أري فيك يقظة و حركة ) .
ووقعت نصيحة الشعبي موقعاً طيباً من قلب أبي حنيفة و ترك أمر متجره إلي شريكه و اكتفي بمراجعته و الإشراف علي عمله من خلال ذلك الشريك و يفرغ جل وقته للتردد علي حلقات العلم… كان عُمر أبو حنيفة النعمان حين تفرغ لطلب العلم إثنين و عشرين عاماً.

فتلقى العلم على يد شيوخ وأساتذة كبار، منهم: فقيه الكوفة (حماد بن أبي سليمان) والإمام (جعفر الصادق) و(عطاء) و(الزهري) و(قتادة).. وغيرهم، و قد تفقه أبو حنيفة على يد أستاذه حماد بن أبى سليمان و قد لازمه 18 عاما حتى قال حماد (أنزفتنى يا أبا حنيفة) كناية عما أخذه منه من علوم ، وكان أبو حنيفة يحبه حباً شديداً فلم ينْسَ فضل شيخه وأستاذه (حماد) حتى بعد موته بل ظل يذكره بالخير، ويدعو له حتى قال أبو حنيفة: (ما صليتُ قط إلا ودعوتُ لشيخي (حماد) ولكل من تعلمتُ منه علمًا أو علمته).

نبذة عنه:

-كان أبو حنيفة يهتم بملبسه ومظهره، ويكثر التعطر، ويُرى وقورًا حليمًا، فهو الذي يقول: (اللهم من ضاق بنا صدره، فإن قلوبنا قد اتسعت له) ولقد سبه أحد الناس بقوله: يا مبتدع، يا زنديق، فردَّ عليه بقوله: غفر الله لك، الله يعلم مني خلاف ذلك، وأني ما عدلت به (أي ما أشركت به أحدًا) منذ عرفته، ولا أرجو إلا
عفوه، ولا أخاف إلا عقابه.

-وكان واسع الصدر هادئ الطبع في حديثه مع الناس، فلقد روي أن رجلاً قال له: اتق الله، فانتفض، وطأطأ رأسه، وأطرق.. وقال له: يا أخي جزاك الله خيرًا، ما أحوج الناس في كل وقت إلى من يذكرهم الله تعالى.

- وكان الإمام فصيح اللسان عذب المنطق ، حتى وصفه تلميذه أبو يوسف بقوله :" كان أحسن الناس منطقا وأحلاهم نغمة ، وأنبههم على ما يريد " ، وكان ورعا تقيا ، شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى .
عبادته رحمه الله:
قال سفيان بن عيينة: (ما قدم مكة رجل في وقتنا أكثر صلاة من أبي حنيفة)([1]).
قال أبو عاصم النبيل: (كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته)([2]).
قال أبو مطيع رحمه الله: (كنت بمكة فما دخلت الطواف في ساعة من ساعات الليل إلا رأيت أبا حنيفة وسفيان في الطواف)([3]).
من أخباره رحمه الله في الورع:
كان حفص بن عبد الرحمن شريك أبي حنيفة في التجارة، وكان أبو حنيفة يجهز عليه، فبعث إليه في رفقة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيبًا معيناً، فإذا بعته فبين هذا العيب للمشتري ، فباع حفص المتاع ونسي أن يبين، ولم يعلم لمن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله خوفاً من الحرام.
تجارته ومهنته رحمه الله:
كان أبو حنيفة رحمه الله من أهل المال والأعمال الذين يأكلون من كدهم وجهدهم إذ كان يبيع الحرير وينفق على من يعول، ويجود على المحتاجين ويبذل لهم.
وقد كان يبعث بالبضائع إلى بغداد، فيشتري بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم وكسواتهم وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الأرباح من الدنانير إليهم ويقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئًا، لكن من فضل الله عليّ فيكم، وهذه أرباح بضائعكم.




حلمه وضبط النفس
في يوم من الأيام سقطت حية في حجره و هو جالس في مسجد الكوفة فتفرق الناس لسقوطها من حوله و لكنه استمر في حديثه و نحاها بيده و كأنها ليست حية بها سم زعاف .
ومن حلمه أنه كان يناقش مسألة أفتي فيها عالم العراق الحسن البصري فقال أبو حنيفة:
"أخطأ الحسن ".
فقام له رجل من بين الجالسين قائلاً له في تعصب:
أأنت تقول أخطأ الحسن يا ابن الزانية ؟
ولم يتغير وجه أبي حنيفة و لم يؤاخذ الرجل علي حدته و قال مؤكداً في هدوء :
والله أخطأ الحسن وأصاب عبد الله بن مسعود.

أحواله مع الحكام:

في عهد الخليفة المنصور صار أبو حنيفة عزيزا عليه، يدنيه منه و يعلي مكانته عنده و يرفع قدره في مجلسه، ويحاول بين حين و أخر أن يعطيه العطايا الجزيلة و لكن أبا حنيفة لم يكن يري أن يقبل الفقهاء هدايا الخلفاء و لذلك كان يرد عطاء المنصور و هداياه في رفق و حيلة سواء جاءت من المنصور بطريق مباشراً أو غير مباشر .

و كان الخليفة أبو جعفر المنصور قد حلف على أبى حنيفة أن يتولى القضاء و حلف أبو حنيفة ألا يفعل و قال "إن أمير المؤمنين أقدر منى على كفارة أيمانه" فأمر بحبسه حتى توفى رحمه الله فى السجن سنة 150 هـ.


علمه وفقهه:

و قد قال عنه الإمام الشافعى ( ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالا على أبى حنيفة)
وقال عنه تلميذه الورع التقي (عبد الله بن المبارك ) بأنه (مُخ العلم ).
و روي التاريخ عن الأمام مالك أن أبا حنيفة وضع ثلاثا و ثمانين ألف مسألة في الفقه الإسلامي، منها ثماني و ثلاثون ألف مسألة ( هي) أصل في العبادات… و خمس و أربعون ألف مسألة (هي) أصل في المعاملات .
لم يكتب أبو حنيفة أقواله الفقهية بيده بل قام بتدوينه تلاميذه و كانوا يقرأون عليه أقواله في الفروع و يبوبوها في كتب و يضيفون إليها في مؤلفاتهم و أقوالهم في الفقه الحنفي .
و من تلاميذ أبي حنيفة كان أبو يوسف و محمد بن الحسن الشيباني و علي الرازي و غيرهم كانوا من فرسان الفقه الحنفي في الطبقة الأولي من العلماء الأحناف .
منهجه:
-و لقد أُتهم أبو حنيفة في حياته و بعد وفاته بمخالفة السنة و لقد نفي أبو حنيفة عن نفسه هذه التهمة و يقول (إنا نأخذ أولا بكتاب الله ثم السنة ثم بأقضية الصحابة و نعمل بما يتفقون عليه فان اختلفوا قسنا حكماً علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعني ) .

-قال الإمام أبو حنيفة :" إذا صح الحديث فهو مذهبي "، وقال رحمه الله :" لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " ، وفي رواية عنه :" حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي " ، زاد في رواية أخرى :" فإننا بشر ، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "، وقال رحمه الله :" إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى ، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي "

- و من أقوال أبى حنيفة: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه و سلم فعلى الرأس و العين و ما جاء عن الصحابة اخترنا و ما كان من غير ذلك فهم رجال و نحن رجال .. و قد إشتهر المذهب الحنفى فى الكوفة و بغداد و مصر و الشام و تونس و الجزائر و اليمن و فارس و الصين و سمرقند و الأفغان و القوقاز .



خفة ظله ونوادره:

جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل، فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك تجاه ثيابك لئلا تسرق.

-كان أبو حنيفة جالساً في مجلس وأمامه شخص وكان ابوحنيفة يريد أن يمد رجليه ولكنه استحى من هذا الرجل فهيئته تدل على أنه عالم ، فلما انتهى المجلس قام كل من المجلس وبقي الإمام وهذا الرجل فقال الرجل لأبي حنيفة : ياإمام متى يفطر الصائم ؟
قال أبو حنيفة : إذا غربت الشمس .
قال الرجل : ومتى تغرب الشمس!!! ؟؟؟
حينها عرف أبوحنيفة أن الرجل لايستحق كل ذلك التقدير لجهله بمسائل يعرفها الصغار والجهال فقال أبوحنيفة : ((قد آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه))

توفي رحمه الله سنة 150هـ، وصلى عليه خمسون ألف رجل، ودفن في بغداد، ويقال إنه مات في نفس الليلة التي ولد فيها الإمام الشافعي.

رحمه الله تعالى ورزقنا بأمثاله