إبراهيم فرج عضو مميز
عدد المساهمات : 381 نقاط : 1074 التقييم : : 40 تاريخ التسجيل : 16/11/2009 العمر : 45 مدرس أول الدراسات الاجتماعية وعضو الجمعية الجغرافية المصرية وعضو اتحاد مؤرخي العرب
| موضوع: فتح جزيرة تنيس الجمعة نوفمبر 27, 2009 11:32 am | |
| ذكر فتح جزيرة تنيس.قال: حدثني زياد عن حميد الطويل عن يونس بن الصامت عن نصر بن مسروق قال لما فتحت دمياط وكان من أمرها ما كان قال البامرك لولده يا بني أن الله قد أنقذنا من نار الجحيم وقد هدانا إلى الصراط المستقيم وذلك لسابقة سبقت لنا في القدم وهذه تنيس بالقرب منا وهي جزيرة ولا يمكن التوصل اليها إلا في المراكب والصواب أننا نكاتب صاحبها أبا ثوب وندعوه إلى الله والى دين نبيه فإن أجاب والا قصدناه والله ينصرنا فقال شطا هذا هو الرأي وأنا أكون الرسول إليه بنفسي فقال: يا بني اعزم على بركة الله وعونه قال فركب شطا في مركب وأخذ معه أربعة من غلمانه الخواص فلما نظر يزيد بن عامر إلى ذلك قال: وأنا أسير معك إلى صاحب تنيس فإنه لو سألك عن ديننا ومعالمه لم يكن عندك به علم بأن تكلمه ونحن بحمد الله ما فينا من يتكبر ولا من يتجبر وما طلبتنا إلا الآخرة والعمل بما يقربنا إلى الله ثم سار معه يزيد ابن عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا إلى جزيرة تنيس وفيها رجال يحفظونها فلما نظروا إلى شطا وغلمانه وبينهم رجل بدوي قالوا: من أنتم قال لهم: شطا أنا ابن الملك البامرك صاحب دمياط ومعنا هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئناكم رسلا قال فارسلوا منهم واحدا يستأذن لهم فأذن لهم أبو ثوب قال فنزلوا في الزورق وإذا به.قد أرسل لهم دوابا ليركبوها فامتنع يزيد من الركوب ووافقه شطا على ذلك وساروا كلهم رجالا إلى أبي ثوب فاستأذنوا عليه فأذن لهم فلما دخلوا قصر أبي ثوب وإذا به في حشمه وخدمه وزينته والحجاب والغلمان بين يديه وهو في مرتبه امارته وكان قد تكبر وتجبر منذ نزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصر ومنع المال والخراج أن يؤديه للمقوقس وولده وقد اجتمع عنده مال عظيم فلما دخل عليه يزيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشطا وغلمانه ونظروا إلى أبي ثوب وغلمانه وتجبره بدأ يزيد بالسلام فقال السلام على من اتبع الهدى: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه:48] .قال الواقدي: حدثنا ابن سالم عن جرير بن أحمد عن أبيه عبينة عن ابن جرير وكان أعلم الناس بقصة فتوح مصر والمغرب قال كان أبو ثوب هذا من أرض العريش من متنصرة العرب من آل غسان وهو قريب جبلة وكان صاحب مال ورجال وإنه لما وقعت الهزيمة على الروم وفتح الشام وانهزم الملك هرقل وهرب معه جبلة هرب معهم أبو ثوب هذا بماله وأهله واخوته إلى أرض الجفار ونزل في البرية ما بين العريش ورفح وإن المقوقس خرج في بعض الايام يريد الصيد في عسكره فانتهى في سرحته إلى أرض العريش فانطرد قدامهم وحش كبير فطلبه الملك وتبعه ولم يتبعه أحد من عسكره وهو وراءه وحده إلى أن رماه في حلل العرب في حلة أبي ثوب فقام إليه وعظمه وبجله وعلم أنه الملك فامسك ركابه وأنزله في بيته وذبح له الاغنام ووضع له الطعام وتلاحق الجيش قال فأضافهم أبو ثوب ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع ركب في خدمة الملك وشيعه وعاد فلما دخل المقوقس إلى مصر أمر وزيره بأن يكتب إلى أبي ثوب بولاية تنيس وأعمالها وأرسل له الخلع والاموال والمماليك والغلمان فلما وصل إليه منشور الملك وخلعه فرح أبو ثوب وركب وسار إلى الفرمة وركب منها في المراكب إلى تنيس فلما مكث في ولايته بعث إلى أهله واخوته فأتوا إليه فولى أخاه أباسيف على جزيرة الصدف وولى أخاه الثاني أبا شق على جزيرة الطير وولى ولده على دنيوز فلما طال عليه الامر طغى وتجبر ومرت الأيام والليالي حتى قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض مصر فمنع دفع الخراج إلى مصر وإلى المقوقس وولده ورأى نفسه في تلك الجزيرة فتحصن بها وقال: ما أحد يقدر أن يصل الي فلما قدم شطا ويزيد بن عامر ونظر إليهم أبو ثوب أظهر الاعجاب والتكبر ولم يلتفت إليهم ولم يجسر أحد من جماعته أن يأذن لهم بالجلوس فلما نظر إلى ذلك يزيد بن عامر قرأ: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] وجلس إلى جانبه شطا ونظر يزيد إلى سرير أبي ثوب فإذا هو من الذهب ووفيه صورة النخلة ومن تحتها صورة مريم والمسيح في حجرها فقرأ: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِالنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم: 24 , 26] إلى قوله: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم: 30 , 33] قال فلما سمع أبو ثوب كلام يزيد التفت إليه بغضب وحنق وقال: ما هذا الكلام الذي نطقت به قال يزيد هذا كلام الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا تفنى عجائبه ولا تنفذ غرائبه ولا تبدل كلماته ولا تمل آياته فقال: ما معنى الذي ذكرت ونطقت به وما تفسيره فقال يزيد أما قول الله اخبارا عن عيسى حين قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} فإنه يعلم الخلق أنه عبد الله وليس بولد جل الواحد الأحد الفرد الصمد وأما قوله: {آتَانِيَ الْكِتَابَ} فمعناه أعلمكم الاحكام وأعرفكم الحلال والحرام وأما قوله: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} فمعناه أني مأمور بالطاعة والخدمة والزكاة مثلكم فإن في مالي حقا لله وأما قوله: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ} فيعلمهم أنه يموت ومن يموت لا يكون له العزة والجبروت وأما قوله: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} فيعلمهم أنه وإياهم مبعوثون في يوم القيامة وقوف يوم الحشر والندامة ولو كانا الهين لكان لهما ارادتان ووقع الخلف بينهما وإن الحكمة غير ذلك وهي على وحدانيته شاهدة قال فلما سمع أبو ثوب من يزيد بن عامر هذا المقال قال لقد مثلتم بالاباطيل وغرقتم في بحر الاضاليل فقال يزيد الله أعلم من هو تائه في تيه المحال مشرك بالملك المتعال الذي لا سماء تظله ولا أرض تقله ولا ليل يؤويه ولا نهار يأتيه ولا ضياء يظهره ولا ظلام يستره ولا يقهره سلطان ولا يغيره زمان كل يوم هو في شان أما لكم بصائر أما منكم من ينظر ويعتبر في قدرة الله القادر اما منكم من يعظ نفسه بذهاب النهار واقبال الليل اما أن لكم أن تنزهوه أما أن لكم أن توحدوه أما سمعتم ممن تعبدونه وتبرؤن إليه وتعظمونه فإن المسيح قد أقر له بالعبودية وتبرأ من دعوى الربوبية وقال إني عبد الله ولقد بشر بنبينا قبل مبعثه وعرف بني اسرائيل بقربه من الحق وكرامته أما سمعتم بمعجزاته وما ظهر من دلالاته أما انشق له القمر أما كلمه الضب والحجر أما خاطبه البعير والشجر أما هو من أطيب بيت من مصر قال فعجز أبو ثوب عن رد الجواب ولم يكن له ما يزيل حجته إلا أن قال ليزيد بن عامر: لقد علمنا ما فعل ولكنه كان ساحرا وإن كان قولك هذا حقا فادع الله وتوسل إليه بمحمد أن يسقينا الغيث فإن جاء الغيث علمنا أن قولك ليس فيه شك ونؤمن بالله ونصدق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال يزيد بن عامر أن الله يقدر على ما ذكرت فإن الله على كل شيء قدير أن العبد المخلص إذا دعاه أجاب دعوته ولكنه يفعل ما يشاء وأنا أتوسل إلى الله بخير خلقه وصفيه وهو الفعال لما يريد ثم أن يزيد قام وخرج من.مجلس أبي ثوب فقال له: إلى أين قال أدعو الذي لو شاء أنزل عليكم رجزا من السماء ثم قرأ: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم:29] .قال: حدثنا عاصم عن رويم عن ابن جبير قال إنما طلب أبو ثوب الغيث واقتصر عليه لانه كانت له مزرعة بالبعد من النيل ولا يقدر أن يسقيها ولا يصل اليها ماء وكانت قد أشرفت على الهلاك واليبس وكانت منه ببال وكان قد غرس فيها من جميع الثمار والاشجار وصنع لها مصانع تمتلىء بماء المطر فيسقيها وقت الحاجة اليها وكان المطر قد أمسك عنها والمصانع نشفت فلما خرج يزيد إلى البحر توضأ وصلى ركعتين ثم رفع رأسه نحو السماء وقال: اللهم إنك قد أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالاجابة فقلت وأنت أصدق القائلين: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] وقد دعوت كما أمرت فاستجب كما وعدت يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه غيرك قال ابن جبير لقد بلغني ممن أثق به أن يزيد بن عامر ما برح يدعو حتى ارتفع السحاب من الجو ووقف وقفة الخاضع ورفع جناح السائل المتواضع وارتفعت سحابة وتألقت والرعد يصول حولها صولة الغاضب وهو لها بصوت البرق يزجر بصلصلة وقعقعة وهرير وهو على ذلك سيره ومسيره وقد أحاطت بالسحابة ملائكة الرحمة متمنطقة بنطاق الخدمة يسوقونها من خزائن رحمته ويجذبونها بأزمة القهر إلى ملك ابديته وهو واضع أجنحة عبوديته موسوم بوسم: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13] والركام يسري ويسرع اسراع الوجل يسبح من يسجد لجلاله: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [النور: 43] فإذا هي أشرفت وتكاملت بالماء ووسقت والبروق من أركانها قد انشقت وهبت عليها رياح قدرته من مواضع خزائن رحمته: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] فعندها تفتح مغاليق أبوابها وترفع ستر حجابها فهمت بدموع أشجانها على أيدي خزانها فتستبشر الأرض عند ورودها وتنتظم عقود الزهر عند ورودها في جيد وجودها وتخرج كنوز ذخائرها: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] قال: ونزل المطر يسكب بقية يومهم وليلتهم فلما كان من الغد حضر يزيد بن عامر مجلس أبي ثوب وقال لهم: كيف رأيت صنع الله الصانع المتكفل بأرزاق العبيد قال فضحك أبو ثوب وقال أن سحركم لعظيم وإن مكركم لجسيم وإن سحركم يفعل أكثر من هذا فقال إنما ذلك رحمة من الله قد أبر من أقسم باسمه عليه فلما رأى نزول المطر وظهرت بركات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على سبيل المكر الآن تحققت أن دينكم الحق وقولكم الصدق وأنا مؤمن بالله ومصدق برسالة رسول لله صلى الله عليه وسلم وسوف أعرض دين الإسلام على أهل جزيرتي وأصحابي وأهلي وأبني المساجد وآمر بالمعروف.وأنهي عن المنكر فقال يزيد أن أنت فعلت ذلك رشدت وإن نافقت فإن ربك لبالمرصاد ثم خرج من عنده هو ومن كان معه شطا وغلمانه ومضوا إلى دمياط إلى البامرك وحدثوه بما كان من أبي ثوب فقال: والله لقد خدعكم بخديعته ورماكم بسهم مكيدته فقال يزيد بن عامر: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] فما لبثوا اياما قلائل حتى وصل الخبر أن أبا ثوب جمع من سائر الجزائر وهو قادم عليهم فلما سمع البامرك بذلك قال ليزيد بن عامر: ما الذي ترى من الرأي في أمر هذا العدو فقال يزيد نستعين بالله ونتوكل على الله ومن قاتلنا قاتلناه.قال بن اسحق وإن البامرك أرسل ولده شطا إلى البرلس ودميرة وطناح ومن تحت يده يطلبهم فجاؤا من كل جهة وكتب يزيد إلى عمرو بن العاص يعلمه أن أبا ثوب قد جمع الجموع فلما وصل إليه الكتاب أرسل إليهم هلال بن أوس بن صفوان بن ربيعة أحد بني لؤى ومعه الف فارس وأمره بالمسير إلى دمياط وذلك في العشر الاول من شعبان سنة عشرين من الهجرة وكان لعمر بن الخطاب في الخلافة أربع سنين ونصف أما ما كان من أبي ثوب فإنه لما نفر إليه العساكر أخرجهم بظاهر تنيس فكانوا عشرين ألفا من الرجال ومن الخيل خمسمائة فارس من القبط ومتنصرة العرب وعداهم في المراكب وأتوا نحو دمياط فخرج شطا بن البامرك فقتل رجالا وجندل ابطالا وإنه اشترى الجنة من الله بنفسه ولم يزل يقاتلهم بقية يومه ثم إنه عاد من قتال اللئام إلى الصلاة والصيام ولم يزل على قدم الخوف والوجل وهو منكس الرأس من الخجل من الله تعالى عز وجل فلما مضى أكثر الليل وطلع نجم سهيل اضطجع فلما كان وقت الغلس وقرب الصبح وتنفس استيقظ شطا وهو باكي العين فقال له أبوه: يا بني ما الذي أبكاك فقال رأيت شيئا في منامي أبصرته وسمعت منه كلاما وعاينته وحفظته وحررته والدنيا هي طالق وإني بعون ربي واثق ولا شك أني لك مفارق فقال أبوه أعوذ بالله يا بني ما هذا الكلام ولعل ذلك أضغاث أحلام.فقال: لا والله ما هي أضغاث أحلام لكنه أمر من الملك العلام الذي أجرى الاقلام وخلق الضياء والظلام وبعث سيد الانام بشرائع الإسلام وإني رايت في منامي كأن أبواب السماء قد فتحت وأنوار الهداية قد سطعت ولمعت ثم تفتحت أبواب السماء الثانية ثم رأيت ملائكتها سجودا على جباههم لا يقومون وركعا لا ينتصبون وقياما من هيبة ربهم لا يقعدون وباكين لا تجف لهم دموع ثم كذلك رايت سماء بعد سماء إلى السماء السابعة ثم رأيت قبة من زمرد أخضر وفيها قناديل من الجوهر وهي تسرج من الانوار وتوقد من غير نار وفيها أربعون حوراء عليهن حلل ما رأيت قط مثلها ولا ابصرت شكلها بوجوه تفتن الانس وفي أرجلهن نعال الياقوت الأحمر يطأن بها على النمارق والزرابي.فصاحت بي احداهن وهي كبيرتهن وقالت يا مفتونا بدار الدنيا أما أن لك أن تذكرنا فقد خلقناالله لك منذ خلقك وجعل مهرنا منك الجهاد في مرضاة رب العباد وقد الفت الجفاء وما هكذا صنع أهل الوفاء انظر إلى ما أعد لك وللشهداء قال فنظرت وإذا بقباب معلقة حيث لا يدرك لها نهاية بعدد النجوم وقطرات الغيوم وقد نفد الميقات وانقضت الساعات والاوقات فتيقظ في المنام وارحل إلى دار السلام وقالت في كل قبة مثل ما رأيت فقلت ما هذه القباب فقالت هذه قباب قوام الليل والشهداء يأوون اليها في جنة المأوى ثم إنها جعلت تقول:أنت يا مفتون دواما. ... في الدنا ثم المنام.فدع النوم وبادر. ... مثل فعل المستهام.وابك بالوجد دواما. ... بدموع وانسجام.ثم نح ياذا كثيرا. ... في نهار وظلام.ايها اللائم دعني. ... لست أصغي للملام.في عروس قد تبدت. ... فاقت البدر التمام.طرفها يرشق باللحظ. ... مصيبا كالسهام.ولها صدغ منير. ... مثل نون تحت لام.احسن الاتراب قدا. ... في اعتدال وقوام.مهرها أن قام ليلا. ... وهو باك في الظلام.ياعمادي ورجائي ... ومنائي والمرامفاستمع مني قولي ... ثم فكر في النظاموغداً بادر لحرب ... وإلى ضرب السهاممسرعا تاتي الينا. ... بعد ترحال الظلام.فقال أبوه اعلم يا ولدي أن من المنام ما يصدق وما يكذب فلا تشغل نفسك بما رأيت فقال: لا والله يا أباه ما بقي لي في الدنيا طمع ولم يزل باقي ليلته يبكي ويتضرع ويقوم على أقدام الخشوع ويخضع وأجفانه بالدوام تدمع إلى أن أصبح الصباح وأشرق بحيائه ولاح فودع شطا اباه وأهله وخرج إلى الحرب فتعلق به أبوه و قال له: يا بني بحقي عليك لا تبلني بفراقك فقال شطا دع عنك العتاب فقد قرب لقاء الأحباب فعندها قامت على ابيه المواسم وانهل الدمع الساجم ودنا الفراق وقامت الاشواق وجرى دمع كل عين وأقبل البامرك يودع ولده ويقول يا بني أن صح منامك وضربت في دار السلام خيامك فاذكرنا بحسن طريقة الوفا وأقرىء سلامي على النبي المصطفى فبرز شطا إلى الحرب ودعا للبراز فخرج إليه واحد فقتله وثان وثالث حتى قتل اثني عشر فارسا.قال ابن اسحق: فلما رأى أبو ثوب ما فعل شطا بفرسانه لم يطق الصبر دون أن خرج إليه بنفسه وكان من الفرسان المذكورة فلما سار شطا في الميدان قال له: يا شطا كيف تركت الدين المستقيم وعدلت عنه وصغيت إلى هؤلاء اللئام واتبعت دين الإسلام لقد عمل فيك القوم واستوجبت العتب واللوم يا فتى عد إلى الدين الصحيح والقول الرجيح وهو دين المسيح فأي شيء رايت من هؤلاء المساكين حتى تبعت دينهم فلما سمع شطا كلام أبي ثوب أقبل عليه مغضبا و قال له: يا لئيم أتأمرني أن أدع الدين.المستقيم الذي كان عليه الخليل والكليم وإني لي بذلك وقد رأيت الليلة مالي من الكرامة عند الله وقد طلقت الدنيا ثلاثا فلما سمع أبو ثوب كلامه حمل عليه ومد سنانه إليه فتلقاه بقلب قوي وجنان جري وعزم مضي وحسام سري وتقاتلا نصف نهار فعطش شطا فأراد الله أن يطيب قلبه فكشف عن بصره فرأى القبة التي رآها في المنام والحوراء التي أنشدته الأبيات وفي يدها كأس من شربها لا يفنى ولا يسقم وفيه من الرحيق المختوم وهي تقول يا شطا هذا شراب من شرب منه لا يسقم ولا يفيق والساعة تصل الينا وتقدم علينا قال فلما نظر شطا إلى ذلك وسمع منها ما قالت صاح الله أكبر: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يّس: 52] وأخذه الدمع والبكاء خوفا من الله فقال له ابو ثوب: مم بكاؤك قال رأيت كذا وكذا فضحك أبو ثوب من كلامه وحمل عليه فتقاتلا قتالا شديدا أعظم من الأول إلا أن أبا ثوب سبق شطا بطعنة في صدره فاطلع السنان من ظهره فخر صريعا فلما نظر البامرك إلى ولده مطروحا لم يأخذه صبر دون أن حمل عليه هو وأصحابه قال: وأظلمت آفاق تلك الأرض من الغبار وترادف القتار فوقعت الهزيمة على البامرك وأصحابه فالجأهم إلى أبواب دمياط وطمع فيهم عدو الله أبو ثوب وإذ قد أتاهم هلال بن أوس بن صفوان بن ربيعة فوضعوا أيديهم في أبي ثوب وأصحابه وهم ينادون بالتهليل والتكبير وتحامي أصحاب البامرك وحملوا من قبلهم قال: وأما ابو ثوب وأصحابه فإنهم أيسوا من أنفسهم قال فهم في ذلك إذ التقى يزيد بن عامر بأبي ثوب فقال له: يا عدو الله أما اتعظت بآيات الله أما ظهر لك الحق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطبق عليه فأخذه أسيرا وصاح الصائح أن أبا ثوب أسر فاستسلم قومه للقضاء فأخذوهم عن آخرهم بعد ما قتل منهم خلق كثير ثم إنهم عزوا البامرك في ولده شطا فقال احتسبته عند الله فقال له يزيد بن عامر أن في الجنة درجات لاينالها إلا الصابرون قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155, 157] .قال ابن اسحق: ودفنوا شطا في ثيابه بعد ما صلوا عليه ودفنوه في موضع قتله قال فلما كان الغد أقبل البامرك إلى يزيد بن عامر وقال رايت الليلة ولدي في النوم وهو في القبة والحور بين يديه فقلت ما فعل الله بك قال قبلني بأحسن قبول وجاد علي وأنزلني بجوار الرسول.حدثنا ابن اسحق حدثنا عمر بن الأسقع عن جده عامر بن خويلد قال قتل شطا في ليلة نصف شعبان فجعل له تلك الليلة موسما في كل سنة وذلك انه لما يبق أحد إلا زرا قبره تلك الليلة وإن هلال بن أوس نزل وأحضر أبا ثوب وعرض عليه الإسلام.فاسلم وأسلم من الأسرى أناس وابى منهم أناس وبقوا على دينهم وقرروا عليهم الجزية ودخل المسلمون في المراكب إلى تنيس وبنوا موضع الكنيسة جامعا وبنوا في جميع الجزائر جوامع وأخرج ابو ثوب الخمس من ماله وأموال قومه وبعثوه إلى عمرو بن العاص مع أموال من قتل وإن هلال بن أوس نزل على التل الأحمر بظاهر تنيس واقر أهل الجزائر في أماكنهم فقالوا: أيها الأمير قد أمنتنا من جانبك وبقي علينا الخوف من جانب آخر قال هلال من أين قالوا: من أصحاب القلعة المسماة الفرماء قال: وأين هي قالوا: على جانب بحيرة تنيس مما يلي شرقها وفهم أقوام وعليهم الصامت ابن مرة من آل مرداس فلما سمع هلال بن أوس ذلك مضى اليها وبجميع من معه فلما وصلوا اليها اشرف عليهم الصامت بن مرة وأمر أصحابه أن يرموهم وكان بها ألف رجل وغالبهم رماة النبل فرموا عن قوس واحد ألف سهم فسمعتها العرب من الفرماء فأقام عليها هلال بن أوس عشرين يوما فلم يقدر عليها فبعث إلى عمرو يعلمه بما وقع ويستنجده فارسل إليه المقداد ابن الأسود الكندي في خمسمائة من عسكر الإسلام وأرسل معه ثلاثة آلاف ممن أسلم من القبط. | |
|
روميساء عضو مبدع
عدد المساهمات : 729 نقاط : 963 التقييم : : 11 تاريخ التسجيل : 28/09/2009 العمر : 30 الموقع : www.elnaghy.com اللهم اجعل أبى من ورثة جنة النعيم يوم لاينفع مال ولابنون
| موضوع: رد: فتح جزيرة تنيس الأحد أبريل 25, 2010 2:18 pm | |
| | |
|
امة الله عضو مبدع
عدد المساهمات : 2095 نقاط : 3500 التقييم : : 98 تاريخ التسجيل : 28/09/2009 مشرف أقسام المرأة المسلمة ومراقب عام الموقع
| موضوع: رد: فتح جزيرة تنيس الخميس مايو 06, 2010 4:49 pm | |
| | |
|