مع ضجيج الحياة وكثرة صخبها مع المادية القاتلة التى تطحن الناس بين رحاتها مع ضرورة الاختلاط بالناس يتكدر القلب ويتعكر صفو النفس فنحتاج إلى هدوء وراحة فلابد لها من عزلة وخلوة ولذلك يلزمك أخى الطالب للسلوك الحسن – اعتكاف يومى فخذ لنفسك الأنسب لحالك ولا تفرط إما بين المغرب والعشاء يوميًا وإما بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس كل يوم وفى هذا الاعتكاف اليومى لابد لك من أمور .
1- استصحب النية أولا وارج ثواب الله .
2- ذكر الله هو الأصل فى هذه الجلسة واستشعر أن جليسك هو الله . قال تعالى فى الحديث القدسى { أنا مع عبدى إذا هو ذكرنى وتحركت بى شفتاه } صحيح الجامع
فاجلس بالرغبة والرهبة .
3- من آداب هذه الجلسة ألا تلتفت ولا تنشغل بغير ذكر الله وليتعود الناس منك ذلك ، ألا تكلم أحدًا ، ولا تسلم على أحد ولا تشارك فى شئ ، بل هذه خلوتك وقد يكون هذا الاعتكاف فى مسجد لا يعرفك فيه أحد أو إذا تعذر الأمر فاجعل لك خلوة فى بيتك ساعات كل يوم حيث لا يراك أحد ولا يشغلك شئ .
4- المحاسبة اليومية من أهم أعمال هذه الخلوة فألزم نفسك المحاسبة .
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}الحشر (18) .
قال ابن كثير رحمه الله : أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم .
قال النبى r { إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم}
وفى رواية { وأعمالكم } .
قال عمر : { حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر }
قال تعالى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}الحاقة (18) .
والتزم بالمقامات الخمس فى المحاسبة . أولاً : المشارطة أن تشترط على نفسك صبيحة كل يوم أن تسلمها رأس المال وهو العمر (24 ساعة) والأدوات وهى القلب والجوارح وتشترط عليها أن تضمن لك بذلك الجنة بالأعمال الصالحة آخر النهار
ثانيًا المراقبة : أن تراقب نفسك طيلة اليوم فإن همت بمعصية ذكرتها بالمشارطة وإن توانت عن طاعة زجرتها بالمشارطة.
ثالثًا : المحاسبة : أن تستعرض شريط يومك نهاية كل يوم وبالورقة والقلم يتم حساب الخسائر والأرباح ومعرفة مصير المشاركة مع النفس .
رابعًا : المعاتبة : أن يحصل عتاب على التقصير .
خامسًا : المعاقبة : أن يتم العقاب على الذنوب والغفلة فتعاقب نفسك بحرمانها من بعض شهواتها ، وإلزامها بزيادة قرباتها ، بذلك تنجو من شرها وتقودها سالمة إلى ربها .
أخي راجع النية والإخلاص والحذر من أمراض القلب ومن أخطرها (الرياء وطلب المدح من الناس والكبر والإعجاب بالنفس والغفلة والانشغال بالأسباب عن التوكل وطلب الجاة والرياسة وحب الدنيا وتقديمها على الآخرة والحسد والشحناء) ، أخي لا تغفل عن نفسك وإلا أكلتك ... حاسبها وراقبها قبل أن تستأسد عليك ... تفكر وفتش وانظر ... جاء فى مختصر منهاج القاصدين .
{ فلينظر الإنسان فى أربعة : " الطاعات والمعاصى والصفات المهلكة والصفات المنجيات " } فلا تغفل عن نفسك ولا عن صفاتك المباعدة عن الله والمقربة إليه .
المهلكات
(الذنوب الخفية)
1- البخل
2- الكبر
3- العجب
4- الرياء
5- الحسد
6- شدة الغضب
7- شدة الطعام
8- شدة الجماع
9- حب المال
10- حب الجاه والمدح و الثناء و الرئاسة والزعامة
(المنجيات من المعاصى الظاهرة) 1- الندم على الذنوب
2- الصبر على البلاء
3- الرضا بالقضاء
4- الشكر على النعماء
5- اعتدال الخوف والرجاء
6- الزهد فى الدنيا
7- الإخلاص فى الأعمال
8- حسن الخلق مع الخلق
9- حب الله تعالى
10- الخشوع
1- أكل الشبهات
2- إطلاق اللسان بالغيبة والنميمة
3- المٍرَاء
4- الثناء على النفس
5- الإفراط فى موالاة الأولياء ومعاداة الأعداء
المداهنة فى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وقد رد شيخ الإسلام ابن القيم – عليه رحمه الله – المهلكات العشرة إلى أربعة (الكبر والحسد والغضب والشهوة) فالكبر يمنعه الانقياد والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها والغضب يمنعه العدل والشهوة تمنعه التفرغ للعبادة .
وإليك أخى فى الله ورد محاسبة
اعلم - حبيبى فى الله – أنك إن لم تحاسب نفسك فستضيع فى غيابات الغفلة ، ويصعب حينها التخلص من آفاتك وعلاج أمراضك المستوطنة .. فلابد من دوام المحاسبة كل يوم ، ولابد أن تجعل لنفسك – يوميًا – ورد محاسبة ، تحاسبها فيه على كل صغيرة وكبيرة .
وقد أعددت لك هذا الورد المحاسبى كمثال ؛ فراجعه كل يوم ، وزد فيه ما شئت ؛ فكل أدرى بحاله .. وعليك أن تستكثر إذا وجدت نفسك بعيدة عن هذه الأمور ؛ بل اسع كل يوم فى أن تطبق عملاً واحدًا منها أو أكثر فتزداد به إيمانًا ، فتزيد بذلك فى طاعاتك ، وتصلح ما فيه منها