مفهوم القسم في القرآن
الإقسام: وهي جمع قسم ، والقسم تحقيق للخبر وتوكيد له ولا يكون إلا بمعظَّم هكذا عرفه المصنف, والقسم يأتي بمعنى الحلف. وينبغي أن نعلم أن القسم هو الحلف عبادة وأن وهو أي الحلف ينبغي أن لا يكون إلا بالله -عز وجل- قال الله تعالى:{وأقسموا بالله جهدا إيمانهم} وقال النبي
-صلى الله عليه وسلم- :<< من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت>>.
وقال - صلى الله عليه وسلم- :<< من حلف بغير الله فقد أشرك>> ولله –عز وجل- أن يقسم بما شاء من خلقه وليس للخلق أن يقسموا إلا بربهم. أقسم الله –عز وجل- بالتين والزيتون وأقسم بالضحى وأقسم بالليل وأقسم بالفجر وأقسم بالعاديات وأقسم بالنجم فلله يقسم بما شاء من خلقه لأن هذا كلها ظواهر تدل على ربوبيته وألوهيته، وتدل على أنه رب واحد لا إله غيره ولا رب سواه.
فإذن الإقسام, وقد ألف الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله- كتاب في مجلدين اسمه <<التبيان في أقسام القرآن>>.
قوله:<< القسم تحقيق للخبر وتوكيد له ولا يكون إلا بمعظَّم>> ومن هنا كان القسم عبادة لا يجوز إلا بالله, لأنك حينما تقسم بشيء فمعنى ذلك أنك تعظم هذا الشيء, فإذا أقسمت بالله فقد عبدت الله وإذا أقسمت بغير الله فقد جعلت غير الله في مرتبة الله ولهذا لما قال: <<رجل ما شاء الله وشئت يا رسول الله>> قال : <<أجعلتني لله ندا>> وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- :<<لا تحلفوا بآبائكم>> وقال :<< من حلف بالأمانة فليس منا>> وقال:<< من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت>> فالحلف يكون بالله لأن الله –عز وجل- هو أعظم معظم وليس شيء أعظم من الله تعالى.
وهو تعالى يقسم بنفسه المقدسة ومثال ذلك في القرآن قوله تعالى :{ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا } فأقسم الله هنا بنفسه المقدسة، والكاف هنا كاف الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- قال :<< فوربك >> يعني فورب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولأن محمد -صلى الله عليه وسلم- هو أشرف مخلوق فأقسم الله –عزوجل- برب محمد وهو الله –عز وجل-.
قال :<< يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته >>يعني بصفات الله، وبآياته كما في قوله تعالى :{ والشمس وضحاها}هذه آيات الله أقسم الله -عز وجل- بالشمس وبضحاها أي وقت الضحى، وأقسم بالليل إذا يغشى الليل حينما يتغشى النهار كالرداء الأسود ويصبح كل شيء مظلما. الله –عز وجل- فهذه آيات دالة على عظمة الله: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } له في كل شيء آية تدل على أنه واحد.
فنحن نعرف عظمة الله من خلال النظر في الكون في آيات الكون، ولهذا {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} فهذه الآية إذا قرأناها نتدبر ونتفكر في خلق الله، لأن هذا يحملنا على زيادة الإيمان واليقين وحسن الظن بالله.
قال:<< وتارة على التوحيد>> يعني يقسم على التوحيد ومثال ذلك في القرآن في قوله تعالى:{والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد } إذا أقسم بالصافات وبالزاجرات وبالتاليات على ألوهية الله {إن إلهكم لا واحد}
قال :<< وتارة على أن القرآن حق>>ومثاله:{فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون}.
إذن أقسم بمواقع النجوم على أن هذا القرآن كريم وفي كتاب مكنون.
قال:<<وتارة على أن الرسول حق >> يقسم على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- حق وذلك في قوله تعالى:{يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم}. إذن أقسم الله –عزوجل- بيس والقرآن الحكيم وأقسم بالقرآن الحكيم على أن محمد
-صلى الله عليه وسلم- رسول من ربه، وأنه على صراط مستقيم.
<< وتارة يقسم على الجزاء والوعد ووالوعيد وهذا من قوله تعالى:{ والمرسالات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا} هنا الشاهد{إنما توعدون لواقع}.
إذن أقسم -جل جلاله- بالمرسالات والعاصفات والناشرات والفارقات على أن وعد الله حق وأن ما وعد بها الناس سيقع كائن لا محالة .
قال:<< وتارة على حال الإنسان>>حال الإنسان وهذا لنحو قوله تعالى:{ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى} ناس سعيهم إلى هدى وناس إلى ضلال وناس سعيهم إلى الجنة وناس سعيهم إلى النار وناس سعيهم إلى هباء وناس سعيهم إلى السداد .
إذن قال:<< والقسم إما ظاهر>> قال ظاهر وإما مضمر وذكرنا يعني أو سنذكر أن القسم أنواع القسم إما الظاهر وإما المضمر. الظاهر ما كان فيه أحد أدوات القسم هذا الظاهر كالواو في قوله تعالى:{فوربك لنسئلنهم} وهذا الأغلب والأكثر في القرآن، وكذا التاء فقوله { وتالله لأكيدن أصنامكم } هذا قسم ظاهر فيه أداة القسم الظاهرة وهي غالبا خاصة بلفظ الجلالة.
والباء نحو بالله وهوقسمان:
قسم دلت عليه اللام نحو {لتبلون} فهذه اللام تكون مقارنة لجواب القسم مما يدل على أن هناك قسما محذوفا {لتبلون} يعني كأنك تقول والله لتبلون.
وقسم دل عليه المعنى وهو نحو قوله تعالى:{ وإن منكم إلا واردها } كأنه قال: والله وإن منكم إلا واردها لكن هذا محذوف قسم محذوف غير يعني مقدر وهذا إضمار لحرف القسم والمقسم به لكنه ليس معه لام في جواب القسم وانما يدل عليه المعنى.