www.elnaghy.com
عزيزي الزائر
هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل
يمكنك التسجيل ببساطة ويسعدنا انضمامك إلينا
www.elnaghy.com
عزيزي الزائر
هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل
يمكنك التسجيل ببساطة ويسعدنا انضمامك إلينا
www.elnaghy.com
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

www.elnaghy.com

منتدى الشيخ الناغى للعلوم الإسلامية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
دعوة لإخواننا جميعا - شاركونا في استمرار هذا العمل الصالح لنحقق معا الأهداف التي قام من أجلها وهي : نشر العلم النافع ، نشر العقيدة الإسلامية والدعوة إليها ، الدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ودفع الشبهات عن الإسلام والمسلمين ، إصلاح حال الأمة بإصلاح عقيدتها وبيان صالح الأعمال ومكارم الأخلاق ، السعي في مصالح الناس بما نستطيع من صالح العمل.

 

 علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله )

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
المدير العام
المدير العام
المدير العام


عدد المساهمات : 1002
نقاط : 1421
التقييم : : 44
تاريخ التسجيل : 25/09/2009
العمر : 64

علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Empty
مُساهمةموضوع: علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله )   علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Icon_minitimeالأحد نوفمبر 29, 2009 1:26 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمداً وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

فإننى أقدم لكم عدة علوم من علم الأصول على حسب ما ذكرها صاحب البحر المحيط وستكون فى حلقات متتالية متتالية بعون الله جل وعلا

وإنى لأرجو من الله تعالى أن ينفع به المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها



فَصْلٌ : الْغَرَضُ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ وَحَقِيقَتُهُ وَمَادَّتُهُ وَمَوْضُوعُهُ وَمَسَائِلُهُ



يَجِبُ عَلَى كُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ ؟ وَمَا هُوَ ؟ وَمِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ ؟ وَكَيْفَ يُحَصَّلُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ لَهُ الطَّلَبُ وَيَسْهُلَ ؟ وَالْأَوَّلُ : فَائِدَتُهُ . وَالثَّانِي : حَقِيقَتُهُ وَمَبَادِئُهُ . وَالثَّالِثُ : مَادَّتُهُ الَّتِي مِنْهَا يَسْتَمِدُّ . وَالرَّابِعُ : مَوْضُوعُهُ ، وَالْخَامِسُ : مَسَائِلُهُ . أَمَّا الْفَائِدَةُ : فَهِيَ الْغَايَةُ الْمُوَصِّلَةُ لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ ، وَلِلسَّبَبِ الْغَائِيِّ اعْتِبَارَانِ : أَوَّلُ الْفِكْرِ ، وَيُسَمَّى الْبَاعِثَ . وَمُنْتَهَاهُ وَهُوَ آخِرُ الْعَمَلِ ، وَيُسَمَّى الْفَائِدَةَ . وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ : وَهُوَ اقْتِنَاصُهُ بِحَدٍّ أَوْ رَسْمٍ أَوْ تَقْسِيمٍ . وَالْقَصْدُ بِهِ الْإِرْشَادُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَإِيضَاحُهُ . قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّعْلِيمِ لِلْغَيْرِ ، وَأَمَّا الطَّالِبُ لِنَفْسِهِ إذَا لَاحَ لَهُ حَقِيقَةُ مَا يَطْلُبُ صَحَّ طَلَبُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ عِبَارَةً عَنْهُ صَالِحَةً لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ هَذَا شَرْطًا إلَّا فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ التَّعْلِيمَ لَا التَّعَلُّمَ . وَأَمَّا الْمَادَّةُ : فَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَابِعُوهُ : أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مُسْتَمَدٌّ مِنْ ثَلَاثَةِ عُلُومٍ : الْكَلَامِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالْعَرَبِيَّةِ . أَمَّا الْكَلَامُ : فَلِتَوَقُّفِ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَارِي تَعَالَى بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ . وَمَعْرِفَةِ صِدْقِ رَسُولِهِ ، وَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَدُلُّ عَلَى دَعْوَى الرِّسَالَةِ . وَذَلِكَ كُلُّهُ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ فَيُسَلَّمُ هُنَا . وَتَخُصُّ النَّظَرَ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ هُنَا بِعِلْمِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُخَاطَبٍ ، وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ كَسْبًا لَيُكَلَّفَ ، وَتَعَلُّقِ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِيُوجَدَ الْحُكْمُ ، وَرَفْعِ التَّعَلُّقِ فَيُنْسَخَ ، وَصِدْقِ الْمُبَلِّغِ لِيُبَيِّنَّ . وَأَمَّا الْعَرَبِيَّةُ : فَلِأَنَّ الْأَدِلَّةَ جَاءَتْ بِلِسَانٍ الْعَرَبِ ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُنُونٍ : عِلْمِ النَّحْوِ : وَهُوَ عِلْمُ مَجَارِي أَوَاخِرِ الْكَلِمِ رَفْعًا ، وَنَصْبًا ، وَجَرًّا ، وَجَزْمًا . وَعِلْمُ اللُّغَةِ : وَهِيَ تَحْقِيقُ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَوَاتِهَا . وَعِلْمُ الْأَدَبِ : وَهُوَ عِلْمُ نَظْمِ الْكَلَامِ ، وَمَعْرِفَةُ مَرَاتِبِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْحَالِ . وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا مَادَّةً لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأُصُولِ ، وَهُوَ الْخِطَابُ دُونَ مَسَائِلِ الْأَخْبَارِ ، وَالْإِجْمَاعُ ، وَالنَّسْخُ ، وَالْقِيَاسُ ، وَهِيَ مُعْظَمُ الْأُصُولِ . ثُمَّ إنَّ الْمَادَّةَ فِيهِ لَيْسَتْ عَلَى نَظِيرِ الْمَادَّةِ مِنْ الْكَلَامِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِهَا مَادَّةٌ لِفَهْمِ الْأَدِلَّةِ . وَأَمَّا الْفِقْهُ : فَلِأَنَّهُ مَدْلُولُ أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَأُصُولُ الْفِقْهِ أَدِلَّتُهُ ، وَلَا يُعْلَمُ الدَّلِيلُ مُجَرَّدًا مِنْ مَدْلُولِهِ . وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ اسْتِمْدَادِهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ : إنَّ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ فِيهِ أَلْفَاظٌ لَا تُعْلَمُ مُسَمَّيَاتُهَا مِنْ غَيْرِ أُصُولِ الدِّينِ لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مُسَلَّمَةً فِيهِ . عَلَى أَنْ يُبَرْهِنَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ ، أَوْ تَكُونَ مُسَلَّمَةً فِي نَفْسِهَا . وَهِيَ الْعِلْمُ ، وَالظَّنُّ ، وَالدَّلِيلُ ، وَالْأَمَارَةُ ، وَالنَّظَرُ ، لِأَنَّ لَفْظَ الطُّرُقِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَالْحُكْمُ أَيْضًا ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خِطَابٍ شَرْعِيٍّ ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ فِي غَيْرِ أُصُولِ الدِّينِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْهُ غَيْرُ مَا عَدَّدْنَاهُ ، فَهُوَ تَبَعٌ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا الْعِلْمِ ، لِيَتَوَقَّفَ مِنْهُ إذَنْ عَلَى بَعْضِهِ لَا عَلَى كُلِّهِ . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ . وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ اسْتِمْدَادَ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّسُولِ الَّذِي دَلَّ التَّكَلُّمُ عَلَى صِدْقِهِ ، فَيُنْظَرُ فِي وَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ . إمَّا بِمَلْفُوظِهِ ، أَوْ بِمَفْهُومِهِ ، أَوْ بِمَعْقُولِ مَعْنَاهُ وَمُسْتَنْبَطِهِ ، وَلَا يُجَاوِزُ نَظَرُ الْأُصُولِيِّ ذَلِكَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلَهُ . قَالَ : وَقَوْلُ الرَّسُولِ إنَّمَا يَثْبُتُ صِدْقُهُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ . وَهَذَا لَيْسَ بِمَرَضِيٍّ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُوجَدُ فِيهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ مَعْرِفَةَ الْعِلْمِ ، وَالظَّنَّ ، وَالدَّلِيلَ ، وَالنَّظَرَ وَغَيْرَهُ مِمَّا سَبَقَ . وَقَوْلُهُ بِأَنَّ نَظَرَ الْأُصُولِيِّ لَا يُجَاوِزُ قَوْلَهُ وَفِعْلَهُ مَمْنُوعٌ . فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي الِاسْتِصْحَابِ وَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ ، وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ ، وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِقَوْلِ الرَّسُولِ ، وَلَا فِعْلَهُ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَادَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ : إسْنَادِيَّةٍ ، مُقَوَّمَةٍ ، فَالْمُقَوَّمَةُ دَاخِلَةٌ فِي أَجْزَاءِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ ، وَهِيَ الْفِقْهُ ، وَالْإِسْنَادِيَّة مَا اسْتَنَدَتْ إلَى الدَّلِيلِ ، كَعِلْمِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أُصُولَ الْفِقْهَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عِلْمَ الْكَلَامِ ، وَإِنَّمَا عِلْمُ الْكَلَامِ دَلِيلُ الْمُعْجِزَةِ ، وَهُوَ دَلِيلُ الْأُصُولِ ، فَاسْتَنَدَ إلَى الدَّلِيلِ . وَكَذَلِكَ مَادَّةُ الْعَرَبِيَّةِ . فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ يُجْعَلُ الْفِقْهُ مَادَّةً لِلْأُصُولِ . وَهُوَ فَرْعُ الْأُصُولِ ، وَمَادَّةُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ ، فَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ أَصْلًا وَالْأَصْلُ فَرْعًا ؟ أَجَابَ الْمُقْتَرِحُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْبُرْهَانِ " بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ الْفِقْهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ، فَيُذْكَرُ الْوَاجِبُ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ ، وَالْمَنْدُوبُ بِمَا هُوَ مَنْدُوبٌ ، لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُبَيِّنٌ حَقِيقَةَ الْأُصُولِ . وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ أَنْ يُذْكَرَ جُزْئِيَّاتُ الْمَسَائِلِ ، فَإِنَّ ذِكْرَهَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ .

[ تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى الْفِقْهِ ] وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ أُصُولِ الْفِقْهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ ، إذْ يَسْتَحِيلُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهَا أُصُولَ فِقْهٍ مَا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْفِقْهُ ، لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى مَعْرِفَةٍ إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَعَرَّفَ بِهَا ، وَلَا يُمْكِنُ التَّعْرِيفُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ مَعْرِفَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمُفْرَدَاتِهِ ضَرُورَةً وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ : فَشَيْءٌ يَبْحَثُ عَنْ أَوْصَافِهِ وَأَحْوَالِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَنْطِقِيِّينَ : مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ . أَيْ مَا يَلْحَقُ الشَّيْءَ لِذَاتِهِ ، كَالتَّعَجُّبِ اللَّاحِقِ لِلْإِنْسَانِ لِذَاتِهِ ، لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ . أَوْ لِجُزْئِهِ ، كَالْمَشْيِ اللَّاحِقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ كَوْنِهِ حَيَوَانًا . أَوْ لِأَمْرٍ يُسَاوِيهِ ، كَالضَّحِكِ اللَّاحِقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ التَّعَجُّبِ ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَعْرَاضُهُ الذَّاتِيَّةُ . وَقَدْ يَكُونُ لِأَعَمَّ دَاخِلٍ فِيهِ . كَالْحَرَكَةِ لِلْإِنْسَانِ لَكِنَّهُ مَهْجُورٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِرُجُوعِ مَوْضُوعَاتِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ إلَيْهِ . فَمَوْضُوعُ الْفِقْهِ : أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ ، وَمَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ : الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةِ . وَمَوْضُوعُ الْهَنْدَسَةِ : الْمِقْدَارُ ، وَمَوْضُوعُ الطِّبِّ : بَدَنُ الْإِنْسَانِ . فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ مَجَالُ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ يُبْحَثُ فِيهَا عَنْ أَعْرَاضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ اللَّاحِقَةِ بِهَا ، كَمَا أَنَّهُمْ شَبَّهُوا مَا يُبْحَثُ فِي كُلِّ عِلْمٍ عَنْ أَعْرَاضِهِ وَأَحْوَالِهِ بِمَادَّةٍ حِسِّيَّةٍ يَضَعُهَا إنْسَانٌ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُوقِعَ فِيهَا أَثَرًا مَا ، كَالْخَشَبِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَّارُ حَتَّى يَصِيرَ سَرِيرًا ، أَوْ بَابًا . وَكَالْفِضَّةِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الصَّائِغُ حَتَّى يَصِيرَ خَاتَمًا أَوْ سِوَارًا وَنَحْوَهُ . وَأَمَّا مَبَادِئُ كُلِّ عِلْمٍ فَهِيَ حُدُودُ مَوْضُوعِهِ وَأَجْزَائِهِ وَأَعْرَاضِهِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تُؤَلَّفُ عَنْهَا قِيَاسَاتُهُ . وَذَلِكَ كَحَدِّ الْبَدَنِ وَأَعْضَائِهِ ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ صِحَّةٍ وَسَقَمٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ الطِّبِّ . وَحَدُّ الْفِعْلِ وَأَصْنَافُهُ وَأَشْخَاصُهُ وَمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ الْفِقْهِ ، وَحَدُّ اللَّفْظِ ، وَمَا يَعْرِضُ مِنْ صَوَابٍ وَخَطَأٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّحْوِ . وَهُوَ جَمْعُ مَبْدَأٍ ، وَمَبْدَأُ الشَّيْءِ هُوَ مَحَلُّ بِدَايَتِهِ . وَسُمِّيَتْ حُدُودُ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ وَأَجْزَاؤُهُ وَمُقَدِّمَاتُهُ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ قِيَاسَاتِهِ مَبَادِئَ ، لِأَنَّهُ عَنْهَا وَمِنْهَا يَنْشَأُ ، وَيَبْدُو . وَأَمَّا مَسَائِلُ كُلِّ عِلْمٍ فَهِيَ مَطَالِبُهُ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ إثْبَاتُهَا فِيهِ كَمَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ ، وَالْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا لِلْفِقْهِ ، وَمَسَائِلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالْعَامِّ ، وَالْخَاصِّ ، وَالْإِجْمَاعِ ، وَالْقِيَاسِ ، وَغَيْرِهَا لِأُصُولِ الْفِقْهِ . وَالْمَوْضُوعُ : قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا ، كَالْعَدَدِ لِلْحِسَابِ ، وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرًا ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَنَاسُبٌ ، أَيْ : مُشَارَكَةٌ . إمَّا فِي ذَاتِيٍّ ، كَمَا إذَا جُعِلَ الِاسْمُ ، وَالْفِعْلُ ، وَالْحَرْفُ ، مَوْضُوعَاتِ النَّحْوِ ، لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْجِنْسِ ، وَهُوَ الْكَلِمَةُ . وَإِمَّا فِي عَرَضِيٍّ كَمَا إذَا جُعِلَ بَدَنُ الْإِنْسَانِ وَأَجْزَاؤُهُ وَالْأَدْوِيَةُ وَالْأَغْذِيَةُ مَوْضُوعَاتِ الطِّبِّ ، لِاشْتِرَاكِهَا فِي غَايَةٍ ، وَهِيَ الصِّحَّةُ . وَمَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ ، فَإِنَّهُ إمَّا وَاحِدٌ ، وَهُوَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ مِنْ جِهَةِ إنَّهُ مُوَصِّلٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ، وَإِمَّا كَثِيرٌ ، وَهُوَ أَقْسَامُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ، لِاشْتِرَاكِهَا إمَّا فِي جِنْسِهَا ، وَهُوَ الدَّلِيلُ ، أَوْ فِي غَايَتِهَا ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ . وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلْمِ أَكْثَرُ مِنْ مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا ؟ فَقِيلَ ، يَجُوزُ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي أَمْرٍ ذَاتِيٍّ ، أَوْ عَرَضِيٍّ ، كَالطِّبِّ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ ، وَعَنْ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا . وَقِيلَ : يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الِانْتِشَارِ . وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلًا : وَهُوَ إنْ كَانَ الْمَبْحُوثُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ إضَافِيًّا جَازَ ، كَمَا أَنَّهُ يُبْحَثُ فِي الْأُصُولِ عَنْ إثْبَاتِ الْأَدِلَّةِ لِلْحُكْمِ ، وَالْمَنْطِقُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ إيصَالِ تَصَوُّرٍ ، أَوْ تَصْدِيقٍ إلَى تَصَوُّرٍ أَوْ تَصْدِيقٍ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْعَوَارِضِ الَّتِي لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْمَبْحُوثِ عَنْهُ نَاشِئَةً عَنْ أَحَدِ الْمُتَضَايِفَيْنِ ، وَبَعْضُهَا عَنْ الْآخَرِ ، فَمَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ كِلَا الْمُتَضَايِفَيْنِ . وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إضَافِيٍّ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَوْضُوعِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعِلْمِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ إضَافِيًّا ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مَوْضُوعَ ذَلِكَ الْعِلْمِ ، كَأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا ، كَعِلْمِ الْمَنْطِقِ ، فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ الْقَوْلُ الشَّارِحُ ، وَالدَّلِيلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوَصِّلُ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elnaghy.ahlamontada.com
المدير العام
المدير العام
المدير العام
المدير العام


عدد المساهمات : 1002
نقاط : 1421
التقييم : : 44
تاريخ التسجيل : 25/09/2009
العمر : 64

علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله )   علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Icon_minitimeالأحد نوفمبر 29, 2009 1:32 pm


الدليل


الدَّلِيلُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى أَمْرَيْنِ :أَحَدُهُمَا : الرُّشْدُ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ فَاعِلُ الدَّلَالَةِ ، وَمُظْهِرُهَا ، فَيَكُونُ مَعْنَى الدَّلِيلِ الدَّالَّ " فَعِيلٌ " بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ، كَعَلِيمٍ وَقَدِيرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلِيلِ الْقَوْمِ ؛ لِأَنَّهُ يُرْشِدُهُمْ إلَى مَقْصُودِهِمْ قَالَ الْقَاضِي : وَالدَّالُّ : نَاصِبُ الدَّلَالَةِ وَمُخْتَرِعُهَا ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَمَنْ عَدَاهُ ذَاكِرُ الدَّلَالَةِ . وَعِنْدَ الْبَاقِينَ الدَّالُّ ذَاكِرُ الدَّلَالَةِ ، وَاسْتُبْعِدَ ، إذْ الْحَاكِي وَالْمُدَرِّسُ لَا يُسَمَّى دَالًّا ، وَهُوَ ذَاكِرُ الدَّلَالَةِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : الدَّالُّ ذَاكِرُ الدَّلَالَةِ عَلَى وَجْهِ التَّمَسُّكِ بِهَا . وَيُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى دَلِيلًا بِالْإِضَافَةِ . وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ " الْحُدُودِ " ، قَالَ : وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى : يَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْعَكَّاكِينَ . وَحَكَى غَيْرُهُ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ الدَّلِيلِ عَلَى اللَّهِ وَجْهَيْنِ مُفَرَّعَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ هَلْ تَثْبُتُ قِيَاسًا أَمْ لَا ؟ لَكِنْ صَحَّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَدْعُوَ ، فَيَقُولَ : يَا دَلِيلَ الْحَيَارَى دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ . الثَّانِي : مَا بِهِ الْإِرْشَادُ ، أَيْ : الْعَلَامَةُ الْمَنْصُوبَةُ لِمَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : الْعَالَمُ دَلِيلُ الصَّانِعِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا ، فَقِيلَ : حَقِيقَةُ الدَّلِيلِ : الدَّالُّ ، وَقِيلَ : بَلْ الْعَلَامَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَدْلُولِ بِنَاءً عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي اللُّغَةِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : الْأَصَحُّ : أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلدَّالِ حَقِيقَةً ، وَصَارَ فِي الْعُرْفِ اسْمًا لِلِاسْتِعْمَالِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً . وَفِي الِاصْطِلَاحِ : الْمُوَصِّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى الْمَطْلُوبِ . قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَيُسَمَّى دَلَالَةً وَمُسْتَدَلًّا بِهِ ، وَحُجَّةً ، وَسُلْطَانًا ، وَبُرْهَانًا وَبَيَانًا ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي " تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ " قَالَ : وَسَوَاءٌ أَوْجَبَ عِلْمَ الْيَقِينِ ، أَوْ دُونَهُ . انْتَهَى . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : يُسَمَّى الدَّلِيلُ حُجَّةً وَبُرْهَانًا . وَقِيلَ : بَلْ هُمَا اسْمٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ صِحَّةُ الدَّعْوَى . وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " : فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْحُجَّةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الدَّلِيلَ مَا دَلَّ عَلَى مَطْلُوبِك ، وَالْحُجَّةُ مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِي : الدَّلِيلُ مَا دَلَّ عَلَى صَوَابِك . وَالْحُجَّةُ مَا دَفَعَ عَنْك قَوْلَ مُخَالِفِك . ا هـ . وَخَصَّ الْمُتَكَلِّمُونَ اسْمَ الدَّلِيلِ مَا دَلَّ بِالْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ السَّمْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ فَيُسَمُّونَهُ أَمَارَةً . وَحَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ " عَنْ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ . وَزَعَمَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْمُصَنِّفُونَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يُطْلِقُونَ الدَّلِيلَ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ، وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَابْنِ الصَّبَّاغِ . وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا ، وَسُلَيْمٍ الرَّازِيّ ، وَأَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالزَّاغُونِيِّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ ، وَحَكَاهُ فِي " التَّلْخِيصِ " عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَحُكِيَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ . قِيلَ : وَلَعَلَّ مَنْشَأَهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ : إنَّ الْأَدِلَّةَ الظَّنِّيَّةَ لَا تُحَصِّلُ صِفَاتٍ تَقْتَضِي الظَّنَّ كَمَا تَقْتَضِي الْأَدِلَّةُ الْيَقِينِيَّةُ الْعِلْمَ ، وَإِنَّمَا يُحَصِّلُ الظَّنَّ اتِّفَاقًا عِنْدَهَا ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ : إنَّ الظَّنِّيَّاتِ لَيْسَ فِيهَا تَرْتِيبٌ ، وَتَقْدِيمٌ ، وَتَأْخِيرٌ ، وَلَيْسَ فِيهَا خَطَأٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْمُصَوِّبَةُ . وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الدَّلِيلِ عَلَى الظَّنِّيِّ ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَالْمَظْنُونِ ، فَأَمَّا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى دَلِيلًا وَضْعًا . وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ : الْفُقَهَاءُ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُتَكَلِّمُونَ ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ عِيَارِ النَّظَرِ " : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ : مَعْنَى الدَّلِيلِ مُظْهِرُ الدَّلَالَةِ ، وَمِنْهُ دَلِيلُ الْقَوْمِ ، وَقَالَ : إنَّ تَسْمِيَةَ الدَّلَالَةِ دَلِيلًا مَجَازٌ ، وَإِنْ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ : لَوْ كَانَ الدَّلِيلُ مُظْهِرَ الدَّلَالَةِ ، لَوَجَبَ عَلَى الْمَسْئُولِ عَنْ الدَّلَالَةِ إذَا قِيلَ لَهُ : مَا الدَّلِيلُ ؟ أَنْ يَقُولَ : أَنَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُظْهِرُ لِلدَّلَالَةِ . أَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ : مَنْ الدَّلِيلُ ؟ قَالَ : أَنَا وَإِذَا وَقَعَ السُّؤَالُ بِحَرْفِ " مَا " عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّؤَالُ عَنْ الدَّلَالَةِ ؛ لِأَنَّ " مَا " إنَّمَا يُسْأَلُ بِهِ عَمَّا لَا يُوصَفُ بِالتَّمْيِيزِ . وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ : إنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الدَّلَالَةُ ، وَهُوَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ ، وَعَلَى هَذَا فَتَسْمِيَةُ الدَّالِّ عَلَى الطَّرِيقِ دَلِيلًا مَجَازٌ . ا هـ . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : الدَّلَالَةُ مَصْدَرُ قَوْلِك : دَلَّ يَدُلُّ دَلَالَةً وَيُسَمَّى دَلِيلًا مَجَازًا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ . كَقَوْلِهِمْ : رَجُلٌ صَوْمٌ وَأَمَّا الدَّالُّ : فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ ، فَقِيلَ : هُوَ الدَّلِيلُ ، وَقِيلَ : هُوَ النَّاصِبُ لِلدَّلِيلِ ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي نَصَبَ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ . قَالَ الْإِمَامُ : وَلَيْسَ لِلدَّلِيلِ تَحْصِيلٌ سِوَى تَجْرِيدِ الْفِكْرِ مِنْ ذِي فِكْرَةٍ صَحِيحَةٍ إلَى جِهَةٍ يَتَطَرَّقُ إلَى مِثْلِهَا تَصْدِيقٌ ، أَوْ تَكْذِيبٌ .

[ أَقْسَامُ الدَّلِيلِ] وَيَنْقَسِمُ الدَّلِيلُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : سَمْعِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَوَضْعِيٍّ . فَالسَّمْعِيُّ : هُوَ اللَّفْظِيُّ الْمَسْمُوعُ ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ : هُوَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ . أَعْنِي الْكِتَابَ ، وَالسُّنَّةَ ، وَالْإِجْمَاعَ ، وَالِاسْتِدْلَالَ . وَأَمَّا عُرْفُ الْمُتَكَلِّمِينَ ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ ، فَلَا يُرِيدُونَ بِهِ غَيْرَ الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعَ قَالَهُ الْآمِدِيُّ " فِي " الْأَبْكَارِ " . الثَّانِي : الْعَقْلِيُّ : وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى وَضْعٍ ، كَدَلَالَةِ الْحُدُوثِ عَلَى الْمُحْدِثِ ، وَالْإِحْكَامِ عَلَى الْعَالِمِ . الثَّالِثُ : الْوَضْعِيُّ : وَهُوَ مَا دَلَّ بِقَضِيَّةِ اسْتِنَادِهِ ، وَمِنْهُ الْعِبَارَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي فِي اللُّغَاتِ . قَالَ : وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ ، وَقَالَ مَا دَلَّ عَقْلًا لَا يَتَبَدَّلُ ، وَمَا دَلَّ وَضْعًا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَدَّلَ . لَكِنَّ الْإِمَامَ فِي الْإِرْشَادِ " اخْتَارَ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَقْلِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَيْضًا . وَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي " الْأَبْكَارِ " : الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شَيْخُنَا وَالْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ : أَنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ لَيْسَتْ دَلَالَةً عَقْلِيَّةً وَلَا سَمْعِيَّةً . أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِأَنَّ مَا يَدُلُّ عَقْلًا يَدُلُّ بِنَفْسِهِ ، وَيَرْتَبِطُ بِمَدْلُولِهِ لِذَاتِهِ ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ ، وَقَدْ تَقَعُ الْخَوَارِقُ عِنْدَ تَصَرُّمِ الدُّنْيَا مَعَ عَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَى تَصْدِيقِ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ ، فَإِنَّهُ لَا إرْسَالَ ، وَلَا رَسُولَ إذْ ذَاكَ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ السَّمْعِيَّةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى صِدْقِهِ فَلَوْ تَوَقَّفَ صِدْقُ الرَّسُولِ عَلَيْهَا لَكَانَ دَوْرًا ، بَلْ دَلَالَتُهَا عَلَى صِدْقِهِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الدَّلَالَاتِ الْوَضْعِيَّةِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ التَّصْدِيقِ ، فَكَانَتْ نَازِلَةً مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ : صَدَقَ . ثُمَّ الْعَقْلِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ كَالْأَدِلَّةِ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ ، وَإِلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ ، وَكَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ ، وَإِلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ ، كَأَخْبَارِ الْآحَادِ وَالْمُقَايِسِ السَّمْعِيَّةِ . فَكَمَا لَا يُوصَفُ بِاقْتِضَاءِ الْعِلْمِ لَا يُوصَفُ بِاقْتِضَاءِ غَلَبَةِ الظَّنِّ . قَالَ : وَهَذَا مِمَّا يَزِلُّ فِيهِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ ، وَلَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِحُصُولِ الظَّنِّ فِي أَثَرِهَا مِنْ غَيْرِ تَضَمُّنِهَا . وَيَتَنَوَّعُ الْعَقْلِيُّ إلَى اسْتِقْرَائِيٍّ ، وَتَمْثِيلِيٍّ ، وَاقْتِرَانِيٍّ ، وَاسْتِثْنَائِيٍّ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ ، وَيَتَأَلَّفُ الْمُتَّصِلُ مِنْ الْمُتَلَازِمَاتِ ، وَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْمُتَضَادَّاتِ ، وَنَوَّعَهَا الْأَصْحَابُ أَرْبَعَةً : بِنَاءُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ : وَإِنْتَاجُ الْمُقَدِّمَاتِ النَّتَائِجَ ، وَالسَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ . وَنَازَعَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي الْأَوَّلِ . وَقَالَ : عِنْدَنَا لَا أَصْلَ لِبِنَاءِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ بَاطِلٌ ، وَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْغَائِبِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ ، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ ، وَإِلَّا فَذِكْرُ الشَّاهِدِ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَلَيْسَ فِي الْمَعْقُولَاتِ قِيَاسٌ . قَالَ : وَكَذَا قِيَاسُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ فِي الْمَعْقُولَاتِ ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلِيلِ الْوُجُودُ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمِيًّا ، وَلِهَذَا يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ الْآيَاتِ عَلَى كَذِبِ الْمُتَنَبِّئِ ، وَبِعَدَمِ الْأَدِلَّةِ وَالْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ عَلَى انْحِصَارِ أَوْصَافِ الْأَجْنَاسِ فِيمَا أَدْرَكْنَاهُ . وَالدَّلِيلُ لَا يَقْتَضِي مَدْلُولَهُ ، وَلَا يُوجِبُهُ إيجَابَ الْعِلَّةِ مَعْلُولَهَا بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَدْلُولِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ ، كَالْعِلْمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ . وَبَيَانُهُ : أَنَّ الْحُدُوثَ لَمَّا دَلَّ عَلَى الْمُحْدِثِ اسْتَحَالَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُوجِبُهُ ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ . وَالْقَصْدُ بِهَذَا التَّحَرُّزُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ : الدَّلِيلُ يُوجِبُهُ كَذَا ، وَالدَّلَالَةُ تَقْتَضِي مَدْلُولَهَا كَذَا .

وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مُحْتَاجًا لِدَلِيلٍ ؟ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ . قَالَ : فَمَنَعَهُ قَوْمٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ . وَقَالُوا : الْأَدِلَّةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ ، وَإِلَى مَا هُوَ فِي ثَوَانِي الْعَقْلِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ . وَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ : أَنَّا إذَا أَقَمْنَا دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ مَثَلًا ، فَهَلْ الْمَدْلُولُ حُدُوثُ الْعَالَمِ أَوْ الْعِلْمُ بِحُدُوثِهِ ؟ وَالصَّحِيحُ : الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّ حُدُوثَ الْأَكْوَانِ دَالٌّ عَلَى حُدُوثِ الْجَوَاهِرِ سَوَاءٌ نَظَرَ النَّاظِرُ أَوْ لَا .

وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّلَائِلِ اللَّفْظِيَّةِ هَلْ تُفِيدُ الْقَطْعَ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : نَعَمْ . وَحَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ " عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا . وَالثَّانِي : أَنَّهَا لَا تُفِيدُ . وَالثَّالِثُ : وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيَّ أَنَّهَا تُفِيدُ الْقَطْعَ إنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرَائِنُ مُشَاهَدَةٌ ، أَوْ مَعْقُولَةٌ كَالتَّوَاتُرِ وَلَا يُفِيدُ الْيَقِينَ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ أُمُورٍ عَشَرَةٍ : عِصْمَةِ رُوَاةِ نَاقِلِيهَا ، وَصِحَّةِ إعْرَابِهَا ، وَتَصْرِيفِهَا ، وَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ ، وَالْمَجَازِ ، وَالتَّخْصِيصِ بِالْأَشْخَاصِ ، وَالْأَزْمَانِ ، وَعَدَمِ الْإِضْمَارِ ، وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ اللَّفْظِيِّ ، قِيلَ : وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسْخَ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَهُ فِي التَّخْصِيصِ بِالْأَزْمَانِ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي أُصُولِهِ : وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الْيَقِينِ حُصُولُ هَذِهِ الْأُمُورِ مُفَصَّلَةً فِي الذِّهْنِ ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَكَمَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِتَرَبُّصِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ، لَا أَقَلَّ مِنْهَا ، وَلَا أَكْثَرَ . وَأَنَّ حُكْمَ الْمُحْصَرِ الَّذِي لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ لَنَا تَفْصِيلُ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالْبَالِ . وَهَذَا كَمَا يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ : إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ ، وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ الذِّهْنُ بِتَفْصِيلِ شُرُوطِهِ حَالَةَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ . وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَنَا الْيَقِينُ بِهِ قَبْلَ إحْضَارِ تِلْكَ الْأُمُورِ بِالْبَالِ . قَالَ : وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَسْمَعَ الْقَاصِرُ كَلَامَ الْإِمَامِ هَذَا . فَيَظُنَّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ حَتَّى يَخْطِرَ لَهُ تِلْكَ الْأُمُورُ بِبَالِهِ ، وَيَعْتَبِرَهَا وَاحِدًا وَاحِدًا فَتَشُكَّ نَفْسُهُ مِمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْيَقِينِ مِنْ الْأَدِلَّةِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَنَّ تِلْكَ الْأُمُورِ ، أَوْ بَعْضِهَا بِالدَّلِيلِ ظَنٌّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ قَرَائِنُ عَقْلِيَّةٌ ، أَوْ حَالِيَّةٌ ، فَيَحْصُلُ الْيَقِينُ مِنْهَا . انْتَهَى . وَرَدَّهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ بَعْضَ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ ، وَالشِّعْرِ قَدْ بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ كَرَفْعِ الْفَاعِلِ ، وَنَصْبِ الْمَفْعُولِ ، وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي قَطْعِيَّةَ جَمِيعِ النَّقْلِيَّاتِ ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ التَّرَاكِيبِ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِمَدْلُولِهِ ، فَقَدْ أَنْكَرَ جَمِيعَ التَّوَاتُرَاتِ . وَقَالَ غَيْرُهُ : الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ إذَا أَدَّى إلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ ، وَقَامَ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْأَمْرِ ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ النَّقْلِيَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ . وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مُعَارِضٌ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ كَمَا يُتَصَوَّرُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الْعَقْلِيِّ وَالنَّقْلِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ .

مَسْأَلَةٌ [ أَدِلَّةُ الْعُقُولِ ] قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ : أَنْكَرَ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ أَدِلَّةَ الْعُقُولِ . وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ إلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحْوِجْنَا إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَحْجُوجٍ بِالسَّمْعِ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قِيلَ لَهُ : " لَا تَأْكُلْ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْعَقْلِ قَدْ كُفِينَا الْأَمْرَ فِيهَا وَاسْتَقْلَلْنَا بِالسَّمْعِ . قَالَ : وَعِنْدَنَا أَنَّ دَلَائِلَ الْعُقُولِ صَحِيحَةٌ بِهَا نَدْرِي الْأَشْيَاءَ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُعْجِزَةِ إنَّمَا دَلَّ عَلَيْهَا الْعَقْلُ ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ } وَلَمْ يُرِدْ سُبْحَانَهُ بِالْأَفْئِدَةِ قِطْعَةَ اللَّحْمِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التَّمْيِيزَ ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ اُحْتُجَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الْفُؤَادُ . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ : الَّذِي عَلَيْهِ الْإِسْلَامِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْعُقُولَ طُرُقُ الْمَعْلُومَاتِ . قَالَ : وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : لَا يُعْرَفُ شَيْءٌ إلَّا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ .

فَرْعٌ [ قَضَايَا الْعُقُولِ ] وَقَضَايَا الْعُقُولِ ضَرْبَانِ : مَا عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ كَالتَّوْحِيدِ ، فَيُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ اسْتِدْلَالٍ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ . وَمَا عُلِمَ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ كَآحَادِ الْأَنْبِيَاءِ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ ، فَيُوجِبُ عِلْمَ الِاسْتِدْلَالِ ، وَلَا يُوجِبُ عِلْمَ الِاضْطِرَارِ ؛ لِحُدُوثِهِ عَنْ دَلِيلِ الْعَقْلِ لَا عَنْ ضَرُورَتِهِ ، وَاخْتُلِفَ فِي أُصُولِ النُّبُوَّاتِ عَلَى الْعُمُومِ هَلْ تُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوْ بِدَلِيلِهِ ؟ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّعَبُّدِ بِالشَّرَائِعِ . هَلْ اقْتَرَنَ بِالْعَقْلِ أَوْ يَعْقُبُهُ ؟ فَذَهَبَ مَنْ جَعَلَهُ مُقْتَرِنًا بِالْعَقْلِ إلَى إثْبَاتِ عُمُومِ النُّبُوَّاتِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَذَهَبَ مَنْ جَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ إلَى إثْبَاتِهَا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elnaghy.ahlamontada.com
محمود طه
عضو مبدع
عضو مبدع
محمود طه


عدد المساهمات : 897
نقاط : 1182
التقييم : : 8
تاريخ التسجيل : 01/02/2010
العمر : 36
العمل/الترفيه مشرف قسمى الأدب والشعر واللغة العربية إحذر أن تكون سببا في دموع امرأه... لأن الله يحصي دمعتها ورسوله وصى بها

علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله )   علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Icon_minitimeالجمعة فبراير 12, 2010 8:45 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
امة الله
عضو مبدع
عضو مبدع
امة الله


عدد المساهمات : 2095
نقاط : 3500
التقييم : : 98
تاريخ التسجيل : 28/09/2009
العمل/الترفيه مشرف أقسام المرأة المسلمة ومراقب عام الموقع

علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله )   علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله ) Icon_minitimeالجمعة أبريل 23, 2010 6:07 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
علم الأصول ( حقيقته، ومادته، وموضوعه، ومسائله )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأصول الشرعية عند حلول الشبهات
» الأصول الثلاثة فى معرفة الدين الإسلامى
» الأصول الوثنية القديمة لعقيدة الصلب والفداء
» كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للامام الشوكانى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
www.elnaghy.com :: قسم الفقه :: منتدى الفقه وأصوله-
انتقل الى: