تعرف على رفاعة رافع الطهطاوي

رفاعة رافع الطهطاوي
ولد الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في السنة نفسها التي انسحبت فيها الحملة الفرنسية، في 15 اكتوبر 1801 (كأن ميلاده قدري). وتوفي في 27 مايو 1873. عاش في عهد حكم اسرة محمد علي وخلفائه: ابراهيم باشا وعباس الأول وسعيد باشا والخديو اسماعيل. ومات في بداية حكم الخديو توفيق. 
كانت حياته الفكرية والعملية ثرية ومؤثرة في خلخلة مفاهيم مجتمعه السلفي الظلامي، إلى حد حسبانه «رسول الحداثة العربية ـ الاسلامية» او «ابو الفكر الثوري الحديث»، فقد كان نسيج وحده، نخبة في فرد، جملة مثقفين عضويين في مثقف واحد، تكون فقهيا في الازهر، وعلم فيه، ثم عين بقرار من محمد علي، إماما لاحدى فرق الجيش المتكون حديثا. لكنه كان قد تفتح على التأثير العلمي العصري الذي خلفته الحملة الفرنسية وراءها، الماثل، على الخصوص في المجمع العلمي المصري الذي اسسه نابليون. وكان الشيخ حسن العطار، استاذ الطهطاوي، من ابرز العلماء المستنيرين المتأثرين بالعلوم العصرية التي جلبتها الحملة معها، وهو الذي حث تلميذه الازهري على التردد معه على المجمع العلمي ومكتبته الضخمة لقراءة الفكر العصري وحضور المحاضرات التي كانت تتناول مواضيع فكرية وعلمية حديثة. 
ثم جاءت النقلة الكبرى في حياة الطهطاوي الشخصية والعلمية عام 1826، عندما بعثه محمد علي إماما لبعثة طلابية إلى باريس لدراسة العلوم الحديثة ضمن مشروع محمد علي لتحديث مؤسسات دولته العسكرية والتعليمية والتكنولوجية والادارية. 
لم يوقف الشيخ الطهطاوي عمله في البعثة على وظيفته كإمام للصلاة ومرشد تربوي ديني للطلاب الموفودين، يحميهم من الضلال الاخلاقي في «دار الكفار»، وانما ضل هو نفسه في نظر اصوليي ظلمة هاتيك الايام. 
وحتى في نظر اصوليي ظلمة هذه الايام، فقد «انغوى» بثقافة الفرنجة. تعلم لغتهم ودرس علومهم، من آداب وفنون وتاريخ واجتماع وفلسفة وسياسة واساطير اغريقية! وقارب حياتهم الاجتماعية العصرية وطرائق تفكيرهم وعلاقاتهم، خاصة طبيعة العلاقة السلسة بين الرجال والنساء، التي ظهرت له على قدر عال من المساواة والاحترام، بالنظر اليها من قعر الحرملك الشرقي! كما انه اكتسب حسا ثوريا، اولا، من قراءاته في تراث الثورة الفرنسية تاريخا وفلسفة، وثانيا، من معاصرته للحركة التمردية التي قامت في فرنسا عام 1830 وادت إلى سقوط الملكية المطلقة وقيام نظام ملكي مقيد، إلى ذلك، انتشار الفكر الثوري الشيوعي والفوضوي الذي سيتجلى في ثورة كومونة باريس عام 1848، حيث كان الطهطاوي وقتها، في مصر، ينشط، بكل ما اوتي من افكار ومواقع وظيفية في سبيل تسريب ثورته (تحت العمائم والجلابيب). كان قد عاد إلى شرقه عام 1831، ولم يعد هذاك الشيخ امام المصلين، فقط، وانما عاد ليكون شيخ التنوير وإمام الحداثة، بل ليصبح مؤسسة نهضوية في فرد! منذ وصوله كرمه محمد علي وقربه منه، اقطعه ارضا بمساحة 36 فدانا، وعينه رئيسا لهيئة المترجمين في مدرسة الطب، ثم مترجما في مدرسة المدفعية، حيث ترجم للطلبة العسكريين كتبا في الهندسة والجغرافيا، ثم نقل بناء على رغبته إلى «مدرسة الادارة» لتدريس طلابها الثلاثين، العلوم الادارية العصرية التي تمكنهم من توظيف علمهم في تحديث دواوين الحكومة. وفي عام 1834 اصدر كتابه «تخليص الابريز في تلخيص باريز» عن مطابع بولاق الاهلية. والكتاب اثر تنويري رائدي نفيس، كتبه الطهطاوي لتسجيل يوميات بعثته إلى باريس «وان انبه على ما يقع في هذه السفرة وعلى ما اراه وما اصادفه من الامور الغريبة وان اقيده ليكون نافعا في كشف القناع عن محيا هذه البقاع التي يقال انها عرائس الاقطار». 
بمعنى اخر فان الكتاب يكشف القناع عن الحداثة بمظاهرها واحوالها واحوال اهلها. انه يوميات شيخ صعيدي، ازهري متنور، منفتح على الآخر، متخلص من عقدة «الصدمة الحضارية» من دون تبخيس للذات او تعظيم للآخر. ولم يكن الكتاب مجرد يوميات طالب علم وانما كان في مضمونه ومقصده بحثا في احوال الحداثة ومظاهرها العصرية. وليس من غير دلالة فكرية عميقة عنونة الطهطاوي لمبحثه بـ «تخليص الابريز في تلخيص باريز»، اذ المعنى من ذلك هو استخلاص التبر الخالص في خلاصة الحداثة، ثم وصفها كعلاج لشرقه المريض بالجهل والاستبداد. انه اول كتاب عربي حديث منذ مقدمة ابن خلدون، والبيان الاول للنهضة العربية في العصر الحديث، فيه بدأت ترجمة المسميات والمصطلحات الحديثة في الفكر والفلسفة والقانون، وبه ظهرت للمرة الاولى الاسلوبية الحديثة في الكتابة باللغة العربية والمنهج الموضوعي الحديث في البحث، والرؤية السياسية الحديثة للدولة والمجتمع بتأثير من قراءاته في الفكر السياسي الفرنسي، مثل «روح القوانين» لمونتسكيو وقد ترجم العنوان بـ «روح الشرائع» و«العقد الاجتماعي» لروسو وترجمه بـ «عقد التأنس والاجتماع الانساني». وعلى الارض تابع احداث التمرد الشعبي الفرنسي عام 1830 على شارل العاشر اخر ملوك اسرة البوربون وابداله بنظام ملكي مقيد دستوريا وموسع ديمقراطيا، وبذلك تكون لديه فهم تأسيسي عميق لمفاهيم «النظرية السياسية» و«سلطات الدولة» و«الفصل بين السلطات» و«الحقوق المدنية». اذن بعث الشيخ الطهطاوي إماما للصلاة، فعاد اماما للحداثة (دون ان يترك الصلاة بالطبع)، بمعنى اخر عاد مثقفا عضويا حديثا يؤسس لعصر الانوار العربي، بالنظر والعمل، اي بالجمع بين الكتابة والممارسة. ففي عام 1836 اسس «مدرسة الألسن» المختصة في اعداد مترجمين من اللغة الفرنسية بالذات، اضافة للتركية والايطالية والفارسية والانجليزية، إلى اللغة العربية للنقل من الثقافات الاجنبية، خاصة الفرنسية، كان المستهدف بالاساس ترجمة المواد العلمية في الطب والهندسة والرياضيات والصناعة والعلوم العسكرية. واستطاعت المدرسة بادارة واشراف الطهطاوي تخريج حوالي مائة مترجم متمكن وترجمة حوالي الفي كتاب، خلال عشر سنوات. وفي عام 1842 ترأس تحرير مجلة «الوقائع المصرية» وكانت تصدر باللغة التركية كلغة رسمية للدولة مع ترجمة ركيكة بالعربية، وكانت مواضيعها رسمية جافة. فاستطاع ان يعطي اللغة العربية موقع الصدارة ويحولها إلى صحافة ثقافة ورأي تمس القضايا الاجتماعية والسياسية ايضا، وذلك كان من اهم الاسباب التي ادت بعباس الاول إلى اغلاق «مدرسة الالسن» عام 1849 ونفي رفاعة الطهطاوي إلى الخرطوم باقليم السودان وتعيينه ناظرا على مدرسة ابتدائية. 
واصل الشيخ مهمته التنويرية في التعليم والشغل على الترجمة، حتى عاد إلى مصر بعيد وفاة عباس الاول، ليمارس عديد الوظائف الحكومية البارزة في عهد سعيد باشا، ثم في عهد خلفه الخديو اسماعيل، حيث نشط بقوة في مجال تنظيم التعليم في مصر وادارة مؤسسة الترجمة والمساهمة مع اخرين من تلامذته في وضع القانون المصري الحديث نقلا عن القانون الفرنسي، وإلى ذلك رئاسة تحرير مجلة «روضة المدارس» من عام 1870 إلى عام وفاته عام 1873. وفي «روضة المدارس» نصف الشهرية التي كانت توزع على طلاب المدارس بالمجان، بث افكاره الاجتماعية التحررية بشأن المرأة التي ربط تحرر المجتمع من قيود التخلف والتأخر بتحررها من قيود الثقافة الذكورية الخامجة! .. وان مات الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، الشخص العابر، يبقى الطهطاوي ذلك التراث التنويري العظيم: ستة عشر مجلداً واربعة عشر مخطوطا. يبقى سريان مفعول نشاطه الفكري والعملي ماثلا في شتى خطابات التنوير (نظرا وعملا). فقد ادار مؤسسات تعلمية واعلامية حديثة. ومارس الترجمة وكتب في الاجتهاد والتجديد ونقض البدع والتاريخ والجغرافيا وتحديث اللغة العربية والهندسة والسياسة والصحة والصناعة والعلوم العسكرية والقانون والفقه. وفوق كل شيء يبقى صنيعه العظيم في ارشاد المرأة العربية إلى تهجي ابجدية الحقوق المدنية! 
رفاعة رافع الطهطاوي (1216 هـ/1801 - 1290 هـ/1873) من قادة النهضة العلمية في مصر محمد علي.
وفى السادسة عشرة من عمره نزل القاهرة للدراسة بالأزهر، وبعدها بخمس سنوات تولَّى التدريس في الأزهر ، وتوثقت صلته بشيخه، شيخ الأزهر، العلامة : حسن العَطَّار .. وظلَّ رفاعة يدرِّس بالأزهر لمدة عامين، قضى بعدهما عامين إماماً وواعظاً في الجيش الذى أسَّسه محمد على لتحقيق طموحه في تكوين إمبراطورية ترث الدولة العثمانية.
والمنعطفُ الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوى ، يبدأ مع سفره سنة 1242هجرية (=1826 م) إلى فرنسا ضمن بعثة أرسلها محمد علىّ على متن السفينة الحربية الفرنسية "لاترويت" "La Truitte" لدراسة العلوم الحديثة .. وكان حسن العَطَّار وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وذهب كإمام ولكنه (الى جانب كونه امام الجيش)اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة علمالترجمة. وبعد سنوات خمسٍ حافلة ، أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذى نال بعد ذلك شهرة واسعة : تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فىِ تَلْخِيصِ بَارِيز .
وعاد رفاعة لمصر سنة 1247 هـ/1831 فلم يعد مثلما يعود اليوم طلاب بعثاتنا من الغرب : مُحْبَطينَ ! وإنما عاد مفعماً بالأمل ، منكبّاً على العمل؛ فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب ، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية .. وافتتح سنة 1251ه/1835م مدرسة الترجمة، التى صارت فيما بعد مدرسة الألسن، وعُيـِّن مديراً لها، إلى جانب عمله مدرساً بها. وفى هذه الفترة تجلى المشروع الثقافى الكبير لرفاعة الطهطاوى؛ ووضع الأساس لحركة النضهة التى صارت في يومنا هذا، بعد عشرات السنين إشكالاً نصوغه، ونختلف حوله يسمى الأصالة أم المعاصرة كان رفاعة أصيلاً ومعاصراً من دون إشكالٍ ولا اختلاف ، ففى الوقت الذى ترجم فيه متون الفلسفة والتاريخ الغربى، ونصوص العلم الأوروبى المتقدِّم؛ نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع.
وظل جهد رفاعة يتنامى؛ ترجمةً، وتخطيطاً، وإشرافاً على التعليم والصحافة.. فأنشأ أقساماً متخصِّصة للترجمة (الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات) وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد، ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. وكانت ضمن مفاخره : استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية (وهى العلوم والمعارف التى تدرَّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية) وإصدار جريدة الوقائع المصرية بالعربية بدلاً من التركية؛ هذا إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته ، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.
بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولِّى الخديوى عباس حكم مصر. فعبَّاسٌ هذا: أغلق مدرسة الألسن، وأوقف أعمال الترجمة، وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك .. ونفى رفاعة إلى السودان (سنة 1267هجرية = 1850ميلادية)
وهكذا عَبَس وجه الثقافة ، وعُوِّقَ رفاعة عن مشروعه النهضوى الكبير.. بيد أن رفاعة لم يعبس ولم يعاق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية تليماك لفنلون ، وجاهد للرجوع إلى الوطن .. وهو الأمرُ الذى تيسَّر، بعد موت الخديوى العَبَّاس ، وولاية سعيد الخديوى ؛ وكانت أربعة أعوام من النَّفْى قد مرَّتْ .
عاد رفاعة بأنشط مما كان ، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس، وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة) ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربى (الأصالة) .. وقضى رفاعة فترةً حافلة، أخرى ، من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة؛ حتى انتكس سعيد .. فأغلق المدارس، وفصل رفاعة عن عمله (سنة 1278هـ/1861)
ويتولى الخديوى اسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد، سنة 1280 هجرية (1863 ميلادية) فيعاود رفاعة العمل، ويقضى العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل.. فيشرف مرة أخرى، أخيرة، على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا : رَوْضَةُ المَدَارِسِ ..ويكتب ، في التاريخ: أَنْوارُ تَوْفِيقِ الجَلِيل فِى أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ بَنىِ إِسْمَاعِيل. وفى التربية والتعليم والتنشئة : مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ المِصْرِيَّةِ فِى مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ.. المُرْشِدُ الأَمِينِ للبَنَاتِ والبنَينِ . وفى السيرة النبوية : نِهَايَةُ الإِيجَازِ فِى تَارِيخِ سَاكِنِ الحِجَازِ ..